حنان مصطفى
بينما تكاد المرأة تحسم أمرها وتعترف ان عاطفتها تغلب عقلها في مواقف كثيرة وقرارات حاسمة إلا ان اخيها الرجل لا يزال متحيراً هل آن الاوان ان يفسح لها المجال ام ان الموضوع لا يزال بين اخذ ورد؟
تعتز المرأة بعاطفتها ولا تجد حرجاً في كونها مختلفة عن معشر الرجال، فلهم صفاتهم ولها هي ميزاتها الكثيرة فهي على الدوام تقف هناك خلف اسوار بيتها حامية لمملكتها الصغيرة مدافعة عن ابنائها باذلة الغالي والنفيس، قلبها ملئوه الرحمة وعقلها يعمل على مدار الساعة من اجل رعايتهم وتربيتهم.
في مجتمعات ذكورية عانت المرأة من انتقاص الرجل من قيمتها والتقليل من شأن قدراتها الفكرية والعقلية، لكن ما ان تجد نفسها في مجتمعات متحضرة تُقدر قيمة الانسان وجوهره، يتغير حالها وتنشط من اجل ما آمنت به، فعلى مر حقب التاريخ كان هناك بصمة للمرأة، فتجدها ملكة وحاكمة وسياسية محنكة ومقاتلة ومفكرة وعالمة وفقيهة واديبة، لم تتوانى عن اي مجال وقاتلت بشراسة من اجل نيل حقوقها في مرات عديدة، واثبتت على الدوام أنها تستحق المكانة التي تصل إليها.
لكن ملامح المعركة الحالية تختلف عن سابقتها فالحرية التي تطالب بها فُهمت ان يُسمح للنساء بالابتذال، والمساواة في الاجور والحقوق تحولت لمعركة المساواة مع الرجل في امور ثانوية، وان اعترضت شريحة واسعة من النساء على هذه المظاهر فإن شريحة اخرى انطلت عليها الخدعة وسارت خلف المنادين والمناديات بحرية تشبه حياة الجواري في امتهانها ، ومساواة في العمل لا تحترم ضعف المرأة ولا قدراتها ولا عاطفتها.
المرأة استخدمت سلعة ذات ثمن بخس في الاعلانات والترويج لكثير من المنتجات وتم تقديمها في محافل الرقص والغناء والتصفيق، ومُدح سعيها للتفلت من زمام المجتمعات المحافظة بحجة انها تريد الحرية، واستخدمت في ذلك برامج تلفزيونية على قنوات عالمية خُصصت من اجل ان تغير من قناعاتها وتروج لنماذج منحرفة تحت مسميات حقوق المرأة او حرية المرأة.
في عالمنا العربي والإسلامي كان للمرأة مكانة متميزة ولم تفقد هذه المكانة ويتراجع دورها الا في عصور الظلام والانهيار الحضاري، وحفظ لنا التاريخ اسماء الكثيرات ممن حملنَ على اكتافهن قيام الحضارة والمحافظة على ديمومتها، وسجل القرآن الكريم أسماء سيدات كبلقيس ومريم وآسيا زوجة فرعون، كانت مواقفهن مدعاة للفخر وعنوان للإرادة الحرة، واخريات كنّ مثالاً يُحتذى به كالسيدة خديجة وعائشة رضي الله عنهنّ، وصحابيات عرفنا عن ثباتهنّ في احلك الظروف واشدها، فالرقة والاحتشام لم يمنع صفية بنت عبدالمطلب يوماً ان تتحول كأشجع مقاتل يوم غزوة الخندق وتذود عن المسلمين وجيشهم المرابط فأقدمت على قتل ذلك الجاسوس الذي ارسلته يهود ليتعرف ان كان النساء والاطفال في الحصن دون حماية فبادرت الى قتله وجز رأسه وإلقاءه على اصحابه الذين كانوا ينتظرونه، وبذلك كانت من اسباب نصر المسلمين، وإفشال خطة يهود التي ارادت ضربهم من الخلف.
لسبب ما ارتضاه الله كان للرجل قوامة على المرأة، لكن ذلك الامر لم يمنح الرجل الحق في مصادرة حريتها، ولا حرمانها من نيل العلم والمساهمة في بناء الحضارة، بل ان المرأة تعرف ان هذه القوامة من اجلها هي وفي سبيل تعضيد ضعفها لتكون اقوى ولتكون مكملة للرجل لا نداً له في مسيرته..