حـرب الـمصـطـلـحـات – 2

0
976

مكتب الفكر – حركة العدل والإحسان

 تـوطـئـة :

 تزداد أهمية تحديد المفاهيم والمصطلحات كلما تنبهت الأمة إلى ضرورة تحديد الأرضية الثقافية والفكرية التي ينبغي الوقوف عليها ، وهي تحاول قدر الإمكان استئناف نهضتها وتقدمها ، من خلال نقد كل ما من شأنه تعطيل هذه النهضة بفعل عوامل كثيرة .

وفي هذا السياق نواصل معكم تناول موضوع المصطلحات وما يحيط به من مخططات ومناهج ووسائل وسياسات ، ونضع بين أيديكم هذه الرسالة الفكرية . 

القسم الأول –  في الثقافة العامة

أولا – إشاعة المصطلحات المضللة :

تلعب وكالات الإعلام والاستعلام دوراً كبيراً في صناعة الاهتمامات والمواقف التي تريدها الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا ، وما تمتلكه من تأثير بالغ للدعاية

وحرب المصطلحات ، وقدرتها على تزييف الواقع وطمس الحقائق ، ومن ذلك إشاعة المصطلحات المضللة القادرة على اختراق أسوار التمايز الثقافي والحضاري برفق ماكر ، ومن الأمثلة على ذلك :

  1. ( العالم الحر ) : كلمة تصنع البهجة عند سامعها لأول وهلة ، ولكنها تنطوي على جريمة قد تؤدي إلى قتله جوعاً أو تبعية ، فالعالم الحر – وفي ذلك إشارة إلى أن العالم الآخر ليس حراً – ( سياسة انتهجتها أمريكا لكبح وإحباط التغيير الاجتماعي في الأمم الأخرى من أجل حماية فرص الاستثمار الأجنبية ، وقد أنشأت الحكومةُ وكالةَ الاستعلامات الأمريكية عام 1953 للاضطلاع بهذه المهمة ) . وانظر بعد ذلك كيف ساندت أنظمة الاستبداد والانقلاب على نتائج الانتخابات لجبهة الانقاذ في الجزائر وحماس فلسطين ودعمت الثورات المضادة للربيع العربي مع تشدقها بالديمقراطية . أليست هذه السياسات إلى يومنا هذا قائمة ؟ .
  2. ( الاحتياطي الفدرالي ) : ولعل أكثر الأسماء الموهمة بعداً عن المعنى وأخطرها أثراً على المستوى العالمي هو الاحتياطي الفدرالي . وهو مصرف أهلي تم إقرار قانونه الخاص من قبل الكونغرس الأمريكي عام 1913 وله وحده حق إصدارالدولار الأمريكي ( عملة الاحتياط العالمية فيما بعد ) دون غطاء من الذهب أو رصيد ، ويقرضه بفائدة للحكومة الأمريكية . (الدين الأمريكي اليوم تجاوز 27 تريليون دولار) . ولإدراك أثره في الاقتصاد العالمي فإن إعلانه عن رفع أو خفض الفائدة ولو بنسبة قليلة ستتبعه المصارف العالمية الكبيرة ,  ومن شأن ذلك أن يحدث كساداً يشل حركة الإقتصاد أو أن يحرك عجلة الاقتصاد العالمية بأكملها . تم اختيار اسمه من قبل مؤسسيه بعناية وبعد مداولات طويلة لهذا الغرض ، وبعد معارك استمرت لما يقرب من سبعة عقود بين المصارف والحكومة الأمريكية .. كثيراً ما يذكر الاحتياطي الفدرالي باسم المصرف المركزي الأمريكي ، وهو خطأ كبير لأنه شركة خاصة ولا سلطة للحكومة الأمريكية عليه ولا احتياط له ولا يزيد فدرالية عن شركة النقل المسماة الفدرال إكسبرس . ولعل قليلا ممن يعلم أن التعويضات التي كان يدفعها العراق عن غزو الكويت كانت تدفع لحساب تحت سيطرة الاحتياطي الفدرالي . ولم يتم تدقيق حساباته بصورة كاملة على الاطلاق .  

ثانيا – العبث في المفاهيم الاجتماعية :

  1. على مستوى المجتمع حصلت تغييرات أخلاقية عالمية لا يمكن تصديقها ، تتضح لمن يتأملها خلال العقود المنصرمة بنتائجها الشبيهة بالهذيان عند غياب العقل . بدأت بشعارات تحرير المرأة مقترنة بحقوق الانسان . والدعوة إلى إزالة الحواجز ، فرقص الفتيان مع الفتيات – بوصف احدهم – دماثة ورشاقة ! والعلاقة بين أي رجل وامرأة صداقة !!
  2. ثم أصبح الزوج يسمى شريكاً ثم شريكاً مدنياً ، والزواج شراكة !!
  3. ثم استبدال الجنس بالجندر الذي يشمل الذكور والإناث والشاذين والمتحولين جنسياً . ثم توسع الأمر في الجندر فأصبح يشمل خمسة عشر نوعا منها ( LGBTQQIP2SAA ) ,  ومن يبحث يجد اثنين وسبعين نوعاً ! ويلقن هذا الغثاء في وقت مبكر جداً  في المدارس النظامية .
  4. وتم إطلاق لفظ المثليين على الشواذ ، ومنحت هذه التسمية صفة قانونية لحد مقاضاة من لا يلتزم بها إلى مستوى العقوبة .
  5. وقد آل الأمر اخيراً إلى إعادة تعريف الأسرة كي تمنح الشرعية لجنون الحيود عن الفطرة . واليوم ترفع أعلامهم للأسف في بلدان إسلامية بعد جولات كثيرة لهؤلاء المنحرفين بدأت قبل ما يربو على قرن من الزمان .
  6. وتأتي في ذات السياق مصطلحات ” المجتمع المدني ” و ” التمييز الجنسي ” و ” التطبيع ” وغيرها ، التي أصبحت سلاحاً فكرياً ، قد يقال كحق ويراد به باطل .. مما يستوجب إمعان النظر فيها والحذر في استخدامها ؛ لأن إطلاق الألفاظ وترديدها بدون مراجعة يخلط الأوراق ويبدل المفاهيم ويشوش الأفكار .

ثالثا – في السياسة :

  1. ليس مصطلح الإرهاب جديداً فقد استخدم أثناء الحرب العالمية وعاد مجدداً مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشعار بوش في الحرب على الإرهاب . ولكن ترمب المعروف بلغته الفجة كان أول من استخدم مصطلح ” الإرهاب الإسلامي ” عند وصوله للبيت الأبيض ، بعد أن أثار هذا التصريح جدلاً كبيراً أثناء حملته الانتخابية ، كما يستخدم باستمرار مصطلحات مثل ” الإسلام الراديكالي “، و” الإسلام المتشدد ” ، وغيرها . وبعد أن أدت هذه الحرب دورها في إرهاب بعض المسلمين من مجرد ذكر كلمات الجهاد والشهادة لتحل محلها كلمات الإرهاب والعمليات الانتحارية ، انتقل الهجوم لاحقاً على الإسلام السياسي باعتباره الوجه الجديد للشيطنة .
  2. الرجعية والتقدمية : في غفلة من الأمة تسللت مفاهيم منحرفة ومصطلحات باطلة إلى وعي الأجيال فتشوهت الصورة أمامها ، فعمد الأعداء إلى قلب القيم ، فتم تداول مصطلحي التقدمية والرجعية على غير حقيقتها ، بل ضمن توجه سياسي مضلل مقود ، فأصبح المتدين رجعياً متخلفاً ، وأضحى الزنديق المجاهر بفجوره تقدمياً ، وبناءً على ذلك تتخذ المواقف والاعتبارات الفاسدة .

 

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here