حرب المصطلحات – 1

0
1018

مكتب الفكر – حركة العدل والإحسان

توطئة :

إنها معركة مستمرة ، بل هي حرب مستعرة ، لها استراتيجيتها وتكتيكها وتديرها دول كبرى وقوى عظمى ، ومراكز دراسات وأجهزة إعلام وأياد خفية ومعلنة ، هي الحرب التي تستهدف إلحاق الضرر بالخصم من زاوية الفكر أو السياسة بتوظيف المصطلح كأداة لإضعاف الآخر وتشويه صورته . فحرب المصطلحات من أكبر المعوقات أمام حضارة الشعوب وثقافتها ، تستخدم الأسماء والشعارات والمصطلحات أدوات لها ، فهي كلمات ذات اثر وقوة تستهدف الأمة بأسسها و ثوابتها ،  تتسلل الى المحتوى الفكري وتظهر في الفعل والسلوك المجتمعي .

الأهمية :

فالمصطلح مفردة مهمة في المنظومة الفكرية لكل مدرسة يترتب على استخدامه أثر لا يستهان به ، ما يستلزم من المثقفين الاحاطة به قبل تداوله ..

ولقد عني العلماء في الاسلام عناية كبيرة في مؤلفاتهم بتعريف المصطلحات وتحريرها  وبذلوا في ذلك  جهودا كبيرة . ومن شروط التعريف ان يكون جامعاً مانعاً . والجامع هو ان يضم جميع افراده , والمانع هو أن يمنع غيره من ان يدخل فيه . ومن المقرر أن الواجب في المصطلحات أن تكون محددة دقيقة ، ليست بنسبية ولا مجملة .

لقد اصبحت المصطلحات ادوات في الصراع الحضاري والفكري بين الأمم وفي داخل الأمة الواحدة .. وانما كان المصطلح أداة في الصراع لأنه الوعاء المعبر عن العقيدة أو الفكر أو الرأي ، ولذلك فإن كسر ذلك الوعاء غرض رئيس للمعادين ، يمثل خطورة كبيرة على العقائد والثقافة العامة .

هذا الصراع سماه بعض الكتاب لعبة , وان كان كذلك فهي بالتأكيد ليست لعبة  ممتعة . وقال اخرون انها معركة , ولكنها لم تنته بل هي مستمرة فهي حرب اكثر منها معركة  . ومن هنا قيل ان حرب المصطلحات من اكبر المعوقات . وايا كان وصف صراع  الاسماء والشعارات والمصطلحات , فهي كلمات ذات اثر وقوة

ميادين وأساليب :

وتتخذ هذه المعركة أساليب شتى ، وتدور في ميادين كثيرة ، ولا يكاد ميدان يخلو منها : فلها في العقيدة والفقه نصيب ، وفي مناهج المعرفة والدراسات نصيب آخر ، وفي الإعلام والسياسة أدوار ، وفي الترجمة والحوار ، وفي المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية مسالك وآثار ..

فالأسماء والمصطلحات باتت من أدوات الغزو الفكري والاجتماعي تعتمد تقنيات التضليل وتعليب الوعي والتحكم بالرأي العام ، واستخدام أسماء وأوصاف مبهمة أو موهمة ، وبعضها محايد لكنه يستخدم في سياق المدح او الذم ، أو يتم ربطه باستمرار بفئة مهينة دون غيرها .. وبعضها شعارات لا وجود لها عند التطبيق أو قد يمارس ما هو نقيضها تماما .. وغالب ذلك يدخل في حرب المصطلحات ، وللإعلام فيه أثر كبير ..وعلى مستوى الدعاية والسياسة يقال كذلك الحرب الكلامية أو الإعلامية ..

لا مشاحة في المصطلحات

ونود ان نشير – هنا – ان البعض ينقلون مقولة ( لا مشاحّة في المصطلحات ) من موقعها الفقهي الجميل الى دائرة تخدم المخالفين من حيث لا يحتسبون ، فمعنى هذه القاعدة : أن الخلاف إذا كان واقعا في الأمور الاصطلاحية فإنه لا ينبني عليه حكم ، ولا اعتبار به . وهذا يظهر فيما لو حصل الاتفاق على المعنى واختلفوا في التسمية أو اللفظ ، فلا بد من تقدير تتمة لهذه القاعدة وهي : ( بعد الاتفاق على المعنى ) .

 تدقيق وتمحيص

هناك مصطلحات ومفاهيم كثيرة يتم تداولها في هذه الآونة وفي هذه الظروف الصعبة والدقيقة أصابها الالتباس ، وهي تحتاج الى تدقيق وتمحيص ونقد ، ومراجعة طبيعة صدورها ونشوئها . وقد تمكن التضليل التغريبي من اشاعة مفاهيم منحرفة ومصطلحات باطلة  ، فتشوه وعي اجيال متعاقبة .

 الموقف والبيان

  1. وليس الهدف مما ورد في هذه الرسالة الموجزة تقديم التعاريف أو تحرير الخلاف فيها أو استقصاءها  , وانما الاشارة الى اهمية المصطلحات وايضاحها والعناية بتحري الموافق للإسلام منها . والوقوف من سواها  موقف الحذر . وتجنب استخدام الموهم منها سدا للذريعة. الا عند الضرورة وعند ذاك توضيحها ببيان المراد منها ونفي ما قد يعلق بها من مفاهيم مخالفة لأصول الاسلام وثوابته . وذلك بحاجة للإحاطة بنشأة هذه المصطلحات وتطورها . اما الموقف ازاء ما يستخدمه الاخرون فبحاجة اضافة الى ذلك , الى علم بمنطلقاتهم ومسارهم . وعلى ضوء ذلك يتبين المطلوب من ايضاح او مناقشة او مناظرة او معارضة او فضح وتعرية  حسب مقتضيات  الحالة . والامر يستدعي تظافر جهود العلماء والمفكرين  في المراجعة  والتنقيح والتحرير , ويتطلب وقتا وفي ميادين متعددة من الفكر والاقتصاد والسياسة والاجتماع والتاريخ والفرق وغيرها  مؤسسة على الاصول الشرعية .
  2. وازاء ذلك كله ، وفي خضم هذه الهجمات الشرسة التي تستهدف الامة المسلمة بأسسها وثوابتها ، ليس لها الا الاعتصام بأمر مولاها فمن اعتصم بالله فكلمته سبحانه على الدوام هي العليا  ، وليس لها من شارة او اسم الا ما سماها به ربها . قال تعالى :

(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ).

  1. واجبَ العلماء والدّعاة وطلبة العلم نحو الألفاظ والمصطلحات الشّرعيّة :
  • تحديد المصطلحات، لما في تحديدها من أهمّية وأثرٍ على الفهم : إذ أنّ ديننا تميّز بدقّة ألفاظه ، وتحديد معانيها ، وبناء الأحكام على ذلك ، وليس هناك أمّة اعتنت بذلك كهذه الأمّة .
  • قال ابن أبي العزّ الحنفيّ رحمه الله :” والتّعبير عن الحقّ بالألفاظ الشّرعيّة النّبويّة الإلهيّة هو سبيل أهل السنّة والجماعة ” [“شرح العقيدة الطّحاويّة ” (11/70)].
  • – يقول ابن القيّم رحمه الله في “أعلام الموقّعين” (4/170-172): ” ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكنه ؛ فإنه يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام ، فألفاظ النصوص عصمة وحجة بريئة من الخطأ والتناقض والتعقيد والاضطراب ، والمقصود أن العصمة مضمونة في ألفاظ النصوص ومعانيها في أتم بيان وأحسن تفسير، ومن رام إدراك الهدى ، ودين الحق من غير مشكاتها فهو عليه عسير غير يسير ” ) إذ ” إنّ كثيرا من نزاع النّاس سببه ألفاظٌ مجملة مبتدعة، ومعانٍ مشتبهة ” ، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ” مجموع الفتاوى ” (12/114 ).

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here