المولد والنشأة :
ولد في مدينة الفلوجة عام 1980 م ، وسط اسرة محافظة ، تربى فيها على منهج الاسلام ، ومعاني الفضيلة ، وكانت المحرك الاساسي لنشاطه الدؤوب في خدمة الدعوة الى الله فيما بعد .
دخل ابتدائية ابن خلدون واكمل المتوسطة في مدرسة العابد ثم انتقل الى اعدادية الدرسات الاسلامية وتوجه بعد ذلك الى الجامعة الاسلامية في بغداد ليحصل على درجة البكالوريوس في علم الفقه واصوله .
خطى أُولى خطواته نحو جامع الحضرة المحمدية واقفاً للصلاة بين يدي الله رب العالمين وهو لا يزال في الابتدائية إذ هو النشوء في طاعة الله ، وحين رأى من حوله من الاصدقاء مهارته في الإلقاء وفصاحة اللسان ارادوا ان يكون خطيباً تسمع له جموع المصلين ، لكنه اعتذر لصغر سنه آنذاك .
أسس الشهيد رحمه الله البيت المسلم فتزوج من بنت خاله ورزقهم الله ببنت جميلة واوصافها كاوصاف ابيها رحمه الله واسمها ( سفانة ) ، ذكية جدا وتسمع منها اطيب العبارات واعذب الكلمات تتسابق مع نفسها كلما سمعت صوت المؤذن او رأت احدا يصلي امامها لتقول بصوتها الجميل الله اكبر .
حديث العلماء :
تعلق قلب محمد بالعلم الشرعي، فثنى الركب عند العلماء ، حيث درس فقه الشافعية عند مفتي الانبار الشيخ الشهيد حمزة العيساوي ، ثم واظب على دروس الحديث وعلوم السنة النبوية عند الشيخ مكي الكبيسي وكذلك حضر دروس الاجازة في قراءة حفص عن عاصم عند الشيخ احسان الدوري لكنه لم يكمل بسبب التحاق الشيخ احسان ركب الشهداء ، ثم واظب الحضور عند الشيخ احمد عبد نصيف والشيخ محمود مجباس ، وكان لا يترك فرصة لتعلم شيء من علوم الشريعة الغرّاء الا وذهب اليها ، موطناً نفسه لحمل امانة الدعوة والارشاد بين جمهور المسلمين .
جامع التوفيق … الانطلاقة :
التحق محمد بركب الحركة الاسلامية عام 1999 م ، فكان الجندي العامل بكل ما اوتي من امكانات ومهارات سخرها لخدمة الدعوة ونصرة الحق، ومثل جامع التوفيق منطلقا لتلك النشاطات الدعوية الكثيرة التي انتجت جيلاً طيباً ممن يحملون راية العطاء بعد رحيل شيخهم المجاهد .
فكانت بداية ذلك الجهد هو الرعاية التامة لطلبة دورات تحفيظ القران الكريم ، ومن ثم العناية بوجه خاص بطلبة العلم الشرعي ، حيث اقام لهم دورات متعددة ودروس كثيرة لمختلف علوم الدين الحنيف ، وتميز بإنفاق شديد على طلبة العلم خصوصاً من كانوا في مرحلة الاعدادية والكلية .
عُيّن اماما في جامع التوفيق حيث ادرك انه على ثغر مهم من ثغور الاسلام ، فعمل على تنشيط الدروس والمحاضرات ، ولرمضان نكهة خاصة في ذلك لا سيما الأمسيات وتلاوة القران بصوت خاشع تندى له قلوب المصلين .
كما ان موقفاً في غاية الروعة قد رسخه الشيخ محمد بالفعل لا بالقول ، إذ أوقف راتبه من الاوقاف في سبيل الله ولم يأخذ ديناراً واحداً منه ، بل وكان ينفق غيره ابتغاء مرضاة الله والدار الاخرة .
الادارة .. بالتميز :
سعى الشيخ محمد في تكوين فريق جماعي مهمته القيام بمختلف النشاطات الدعوية والاغاثية ، وكان هو المشرف على ذلك الفريق الذي تربى على موائد القران والسنة وحب الاسلام والعمل له ، ولما رأى الناس وخصوصاً اهل المساجد في مدينة الفلوجة تلك الكفاءة العالية للشيخ محمد في تنظيم شؤون المهرجانات وغيرها ، كان هو الرائد لديهم في هذا المجال ، فما من حفل او ندوة او جمع الا واسندت الادارة اليه ، وخير دليل على ذلك نجاحه في ادارة حملة محمد قدوتنا صلى الله عليه وسلم أيّما نجاح ، فلقد ظهرت المدينة بثوب رائع عبر نشاطات متعددة كان الشيخ يقود امرها في الميدان .
الوسائل النافعة :
وظّف الشيخ محمد كل الوسائل المتاحة من الكتاب والشريط وبرامج الفضائيات في خدمة الدعوة ، حيث نشط في قراءة الكتب الدعوية والفكرية كذلك توزيعها على شباب المسجد ، مع اهتمام شديد ببرامج التنمية والادارة ، وقد دخل رحمه الله كثيراً من الدورات التطويرية ، وكثيراً ما حرص على متابعة البرامج التي تهم الاسرة المسلمة التي هي قوام المجتمع الذي يسعى المصلحون في كل زمان ومكان الى تأسيسه على هدي الاسلام ومنهاج النبوة .
رجل المواقف :
تظهر معادن الرجال في الصعاب ، فهي المقياس الحقيقي للولاء والثبات على المبدأ ، وقد تجلى ذلك واضحاً في مواقف اخينا محمد ، فحين حصلت معركة الفلوجة الاولى سارع بالتطوع لاغاثة المنكوبين ، ويبقى ساعات طويلة يوزع تلك الاحتياجات الضرورية لمن تعذر له الخروج من المدينة ، وكان يخرج ضمن الجوالة لتفقد اجساد الشهداء والجرحى في طرقات المجينة ، وحين حصلت المعركة الثانية اوقف نفسه طوال اليوم في جامع التوفيق ما بين اغاثة محتاج ومساعدة مكروب او عبر الميكروفون بالدعاء وتثبيت الناس بالوعظ وتحريض المؤمنين على البذل في سبيل الله ، ولما دخلت قوات الاحتلال ارض الفلوجة اعتقل مع كثيرين من اهل المدينة وبقي معتقلاً لمدة اسبوعين ثم فرج الله كربته وخرج بسلام .
الدقائق الاخيرة :
يتحدث احد رفاقه قائلاً : ” قبل استشهاد الشيخ محمد بعشر دقائق وكنا قد انتهينا للتو من صلاة العشاء ، كلمني بشأن الطلبة في دورة تحفيظ القران ، وكنت حينها منشغلا بدراسة الماجستير وقال لي : ( ان هؤلاء الطلاب امانة في اعناقنا ويجب الحفاظ عليهم ) ، وعرض عليّ ان يرعى عدداً من الطلبة للتخفيف من الاعباء التي تواجهني اثناء كتابتي لرسالة الماجستير ، وبعد ان رآني منشغلا بقضايا كثيرة قال لي : ( سأتولى مسؤولية الجميع واريحك من هذا التكليف ) ” .
قصة استشهاده :
مساء 24/1/2011 م صلى الشيخ كعادته اماماً بالناس في جامع التوفيق فريضة العشاء ، وكل شيء على ما يرام ، وبعد انتهاء اللقاء مع بعض الشباب والمصلين بعد الصلاة ، توجه الشيخ الى بيته ، وما ان وصل باب المنزل حتى باغته القتلة باطلاقات من اسلحة كاتمة للصوت فارتفع شهيداً في الحال .
استيقظت الفلوجة بل الانبار باسرها على فاجعة اصابت الكثير بالذهول ، بينما بادر بعضهم بالدعاء له وذكر مآثره ، وودعته الجموع الغفيرة التي جاءت من كل المناطق وشارك بعضهم الاخر التهليل والتكبير، حتى النساء عبر نثر حلوى على مسار الجنازة الى مثواها الاخيرة من الدنيا ، بينما عمد اخرون الى تصوير المشهد المهيب عبر اجهزتهم الجوالة ، حيث لم تشهد الفلوجة تشييعا كهذا الا ما حصل لمفتي الفلوجة الشيخ حمزة رحمه الله ، وذلك لان الشيخ كان بحق رجل الدعوة والعمل والتضحية والتربية ، فالى جنات الخلد يا ابا سفانة فهناك الملتقى باذن الله تعالى .
رحم الله شيخنا الجليل واسكنه واسع الجنان