الداعية العميد

0
1658

المولد والنشأة :

ولد في الموصل عام 1931م، لأب صالح حكيم ، كان موظفاً في الحكومة العثمانية ثم مملكة العراق ، وتلميذاً من تلاميذ الشيخ محمد الرضواني فقيه الموصل ، ووالدته من بيت علم وتقوى وهو بيت الشيخ نوري يرحمهم الله تعالى .

اكمل دراسته الاساسية في الموصل ، وحين كان طالباً في المرحلة الثانوية توفي والده ، ولم يكن لهم هناك من رمق يسد عيش اسرته سوى راتب تقاعدي تركه لهم والدهم ، ومع ذلك التحدي وفقر الحال استطاع ان يكمل كلية الشرطة بتفوق عام 1956م ، وكان يشار اليه بالبنان لحسن التزامه وتمسكه بتعاليم الاسلام .

كما تميز رحمه الله منذ نعومة اظفاره بحبه للدين والألمعية وتعدد المواهب والشدة في الحق ، ينصر الضعيف ولا تأخذه في الله لومة لائم .

ومن مشاهد علو همته التحاقه بكلية اللغات بجامعة بغداد لدراسة اللغة الانكليزية عام 1962م في الدراسات المسائية برغم صعوبة الالتزام بها مع واجبات الشرطة ومسؤولية العائلة ، الا انه تخرج منها بتفوق عام 1966م حاملاً شهادة البكالوريوس في تخصص جديد .

طريق الدعوة :

كان لنشأته رحمه الله دور كبير في انضمامه لركب الدعوة المباركة ، فمع نهاية الاربعينات كان قد التزم بين صفوفها وعمل في برامحها التربوية الاصلاحية ، وتأثر كثيراً بالشيخ محمد محمود الصواف .

ومن مواقفه المشهودة عندما كان طالباً في كلية اللغات ، استلم اثناء شهر رمضان بطاقة للافطار في القصر الجمهوري مع الرئيس عبد السلام عارف ، وبعد صلاة المغرب في القصر صافح الرئيس وقال له : ( سيدي احكم بما انزل الله وكلنا وراءك ) فرد عليه الرئيس : كل شي سيصبح كما تريدون ، وبطبيعة الحال لم يتحقق شئ مما وعد به الرئيس، وانما جاءت النصيحة من مسلم غيور يريد لشريعة الله ان تحكم الدنيا .

الرحلة الى امريكا :

سافر الى الولايات المتحدة الامريكية عام 1959م لدراسة مكافحة التهريب والمخدرات ، وهناك لمس اساتذته الامريكان فطنته ونباهته فعرضوا عليه الجنسية الامريكية وان يبقى عندهم ، فاخرج لهم من جيبه كتاب الله وقال لهم : هذا يعيدني الى بلادي لخدمتها والتمسك بها . وهناك عرّف الناس بالاسلام وانه دين ابو الانبياء ابراهيم لان النصارى يعرفون من يكون ابراهيم عليه السلام .

طالب العلم :

احب السيد فالح العلوم الشرعية منذ عقده الاول ، فكان رحمه الله يواظب على حضور دروس العلماء ، فابتدأها عند مفتي العراق العلامة نجم الدين الواعظ في جامع العساف في مدينة الاعظمية ، حيث درسه اليومي بعد صلاة المغرب ، والعلامة بهجت الاثري ثم الشيخ عبد الكريم المدرس في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني والشيخ محمد الفياض في الفلوجة ، كما درس الفقه الشافعي عند الشيخ حامد عطيوي في مدينة الرطبة عندما كان مديرا للشرطة هناك ، ودرس الفقه الحنفي لدى الاستاذ ظاهر الواعظ في مدينة الشرطة ببغداد .

وشملت جولاته التحري عن المساجد والصلاة فيها وحضور انشطتها الدعوية ، فلا يكاد يمر اسبوع الا وله مرور على المساجد الاولى للعاصمة مثل جامع الامام الاعظم والدهان وسيد سلطان علي وعلي افندي والحيدرخانة والاصفية والوزير ، مع مواظبة تامة في السؤال عن الفقراء والمحتاجين والارامل ، ويعمل جاهداً على مساعدتهم وتفريج كربتهم وادخال السرور الى قلوبهم .

رحلة الحياة :

بعد رجوعه رحمه الله من الولايات المتحدة الامريكية وقد اجتاز الدورة التدرييبية بنجاح باهر ، عمل في الكمارك للمنطقة الشمالية والوسطى ، ثم نقل من مديرية الكمارك الى الشرطة العامة وهناك ابدع وتفانى في عمله باخلاص ، حفظ كتاب الله عز وجل وذلك اثناء بقائه في ايام الخفارات والانذارات في عمله ، حيث اغتنم ساعات الفراغ والليل لتلاوة وحفظ القران الكريم .

مؤلفاته :

كرس حياته لدين الله سبحانه وبدأ باثراء المكتبة الاسلامية ببعض المؤلفات بعد احالته على التقاعد ، وهي : نور على المعرفة ، حقيقة الاسلام ، المرأة في الاسلام حقيقتها ومكانتها ، سبل التقوى ، وله قصائد في حب النبي صلى الله عليه ، لوما شرع بتفسير القران رأى في المنام المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يسلمه مفاتيح الكعبة ويقول له اكمل عملك وارجع لنا ، فبدأ بالجمع والتأليف واسماه (المستقى) ، واكمل بعد جهد متواصل استمر لست سنوات من السهر والمطالعة والبحث ، ومانت امنيته ان يطبعه في كتاب لكن الشهادة عاجلته في الرحيل .

قصة استشهاده :

مسيرة طويلة في الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، ورفع راية الاسلام حيثما حل وارتحل ، كان لا بد للداعية من استراحة الخلود ، فهو في اخر خطبة كان قد ارتقى المنبر يعظ الناس بنصوص الكتاب والسنة واقوال الفقهاء وتجارب المصلحين ، وذلك في مسجد الفتيان بالسيدية ، وجاءت الجمعة الاخرى 9/11/2007م لتغدر به عصابة الدم ، وتمعن في تعذيبه ، وتشاء حكمة الله عز وجل ان يُصلى عليه في ذات المسجد الذي خطب فيه ، لكن الارتقاء ليس للجسم هذه المرة بل هو للروح في اعالي الجنان مع رهط الذين امنوا والذين هم متقون .

رحم الله شهيدنا بواسع رحمته ، واسكنه فسيح جناته .

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here