بقلم/ أميمة الجابر
الراحة هي المبتغى الذي لا يبلغ في الدنيا , والسعادة هي الغاية المأمولة من الحياة بأسرها , والرضا هو السبيل إليهما معاً ..
فكثير من الناس غير راضين على أحوالهم , ولا عن أنفسهم , ولا عن شيء قد حققوه في حياتهم , فهم متأسفون على ما مضى إذ لم يجمعوا مالاً ولم يصيبوا جاهاً , ولو جمعوا مالاً أو اصابوا جاهاً فهم ساخطون على أفعالهم فيهما , وكثير من الناس غير راضين عن شئونهم ولا أرزاقهم ولا زوجاتهم ولا أولادهم وربما نما السخط على أنفسهم , فهم يتقلبون ليلاً ونهاراً بين مشاعر سخط وأفكار أسف , لا يعرفون للرضا طعماً ولا يتذوقون له لذة.
فالرضا بالحال يجلب لصاحبه طمأنينة النفس وهدوء البال , ويشيع البهجة في حياته , فرحاً بكل قليل.
أما السخط فما يزيد الانسان إلا اضطراباً دائماً , وتمرداً وحقداً وحسداً , وكآبة مهما تعددت عنده الخيرات , فهو دائما يريد المزيد , بل ويشعر داخل نفسه أنه لا يملك إلا القليل.
والشعور بالرضا على الحال مقدور ممكن ، وهو ممدوح غاية المدح , وهناك وقفات مهمة في هذا السبيل :
1- علينا أن ننظر لأحوال الآخرين خاصة المهمومين والمكروبين وأصحاب المصائب المختلفة , فمن تفكر في أحوال هؤلاء هان عليه كل ما هو فيه من مشاق , وإلى هذا يلفتنا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمرنا من دعاء عند رؤية أهل البلاء: ” الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به “.
2- علينا ألا ننظر إلى الوراء , وألا نندم على ما فات من أعمارنا دون تحقيق ما نريد , بل يجب الاهتمام بالأيام القادمة مهما كانت قليلة فالأعمال بالخواتيم , فلا قيمة للندم المجرد إلا أن يكون ندماً على معصية الله سبحانه وعزماً على الطاعة فهذا حَسنٌ مراد, لكن الندم على مافات من كسب الدنيا لا يؤثر بشىء إلا جلب الأحزان والقعود عن النجاح .
3- لا نغتر بالدنيا , فكلنا يحبها ويتمسك بها , ويسعى للشبع منها , وقد ضرب الله تعالى لها مثلاً حيث قال : ” واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً” .
4- فلماذا لا نعتبر ممن سبقونا ! فأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها ؟ وأين الجبارون الذين كان لهم الغلبة والنفوذ والاستبداد , قد انهار بهم الحال , وصاروا رميماً , فغادروها وتركوها ولم يبق غير أعمالهم , وأصبحت الدنيا دنيا لغيرهم , وبقينا نحن بعدهم .
قال عثمان رضي الله عنه في آخر خطبه له : ( إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها , إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى , لا تبطرنكم الفانية, ولا تشغلنكم عن الباقية , وآثروا ما يبقى على ما يفنى , فإن الدنيا منقطعة , وإن المصير إلى الله ) .
5- التأمل في نعم الله تعالى علينا , وحمده سبحانه: ” ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ” ، فنحن نمتلك من النعم الكثير ولكن لا نشعر بها , ولكي تدرك قيمة النعم تفكر لو أنك حرمت منها يوماً , عندها ستعلم قدرها وتستشعر فضل الله عليك بها .
فلو رضينا بما عندنا سعدنا , ولو سخطنا شقينا , ولو رضينا بالقليل من الطعام شبعنا, ولو رفضنا وتبطرنا شعرنا بالفقر , ولو رضينا بما عندنا من ملبس ومسكن هدأ بالنا , ولو نظرنا لما هو أعلي منا تعبنا .
فلماذا لا نرضي وقد يأتي يوم تفحص فيه الأعمال , ويكثر فيه الزلزال , وتشيب فيه الأطفال ؟
لماذا لا نرضي ونحن نعلم أن أيامنا القادمة هي بقية أعمارنا , فإذا كنا نحلم بالغنى فإن خير الغنى غنى النفس , وخير الزاد التقوى وخير ما ألقي في القلب اليقين , فارض بما قسم الله تعالي لك تكن أغني الناس .
المصدر : موقع المسلم