العميد الصيدلي

0
364

المولد والنشأة :

ولد عام 1941م بمدينة الموصل بمنطقة باب البيض وهو حي شعبي عشائري، وينتمي الشهيد الى عشيرة المولى وهي احدى العشائر العربية الكبيرة في العراق، نشأ في عائلة متواضعة كريمة النسب، محافظة على العادات والتقاليد العربية الاصيلة، في بيت عرف بالزهد والتقوى، وكان والده يعمل في اعمال البناء والترميم بصفة مقاول الا انه عاني الفقر في بعض الاحيان.

واصل مسيرته العلمية بدءاً من كتاب الجوامع، اكمل الابتدائية والثانوية والاعدادية بمدينة الموصل، ثم التحق بكلية الصيدلة في جامعة بغداد على نفقة وزارة الدفاع العراقية، وتخرج منها عام 1964م برتبة ملازم اول صيدلي، عمل في الوحدات العسكرية التابعة للجيش العراقي السابق في مجال الطب الصيدلي وتقلد عدة مناصب وتدرج في الرتب العسكرية حتى وصل الى رتبة عميد صيدلي.

طريق الدعوة :

انضم الى صفوف الحركة الاسلامية عام 1953م، ولعلها سنة الله التي لا تبدل، ففي نفس العام يمضي شهداء الدعوة في ارض الكنانة يتقدمهم فقيه القانون المعاصر ( عبد القادر عودة ) رحمه الله، ليدخل في العراق رجل يكمل المسيرة ويلتحق بسجل الخالدين فيما بعد، فاخذ يصول ويجول ليعلي كلمة الله ويصدح بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم، يتحين الفرصة ليدخل الى قلوب الشباب المسلم.

في صفوف الجيش :

تدرج الشهيد عمر في المناصب العكرية حتى وصل لرتبة عميد في الجيش العراقي، واحيل الى التقاعد بنفس الرتبة عام 1988م بسبب توجهه الاسلامي ورفضه الانتماء للحزب الحاكم في تلك الفترة، ولكن بقي يواصل الطريق الذي تعاهد عليه فاخذ على عاتقه نشر فكر وثقافة الحركة الاسلامية فتم اعتقاله عام 1994م .

عمر محمود وهو ضابط

حركته وسخاؤه :

انعم الله سبحانه وتعالى على شهيدنا بالمال الوفير والثروة المباركة، لكنها لم تتسور الى قلبه الكبير او نفسه المنيعة، انما بقيت ثروته بين يديه يصرفها في وجوه الخير، وسخر الكثير منها لخدمة الدعوة المباركة ودعم المشاريع الخيرية كبناء المساجد وتعميرها لا سيما في القرى والارياف، ودعم الجمعيات الانسانية والاغاثية واعانة المحتاج والمعدوم، وكان رحمه الله يراعى الارامل والايتام كثيراً ويهتم بهم.

وقفات مع الشهيد :

اشتغل الشهيد عمر رحمه الله على المحور الاقتصادي والمادي، فكان دوره الاغاثي كثيراً وقد حاول بكل ما استطاع من بذل وطاقة ان يغطي مساحة من فقراء مجتمع الموصل الذي يعيش نسبة كبيرة منه تحت خط الفقر، لانه كان يعتقد ان الفقير الذي لا يكاد يجد لقمة العيش لنفسه ولاولاده قد لا يلتفت الى قبول الدعوة الاسلامية ولا ينشد الاستقامة على منهاج الكتاب والسنة، فقد يشغله شظف العيش وقلة الارزاق وحاجات الحياة الملحة عن الاستماع الى خطاب الدعوة ونصيحة المرشدين والموجهين، وعليه فلا بد من اسعاف الفقير مو جوعته وملأ جوفه حتى تجد الكلمة والدعوة والنصيحة طريقاً الى قلبه وتصحح له مسيرة حياته.

ولم يكتف الشهيد باستخدام عنصر المال والاقتصاد في دعم المشروع الاسلامي، بل كان دور القلم عنده واسعاً، فاخذ مساحة عريضة من جهده ووقته وتفكيره، فكان يرى بان القلم والكلمة المكتوبة والمقالة المنشورة هي وسائل مهمة واساسية في نهضة الامة وترشيد فكرها وعقيدتها، ويمكن نقلها بسهولة عبر الزمان والمكان وعبر المجتمعات والشعوب، فالخطابات المجونة عي وسيلة لترسيخ المعلومة وتوثيقها في ذهن الانسان وصناعة المسلم المثقف وتطوير ذهنه الى مستوى جعله صاحب قضية.

عمر محمود يلقي محاضرة

درب الشهادة :

بينما هو يؤدي واجبه في خدمة المرضى في صيدليته، اذ داهمته قوة مسلحة وقامت باختطافه الى جهة مجهولة، وكان ذلك يوم 4/3/2005 م ، وفي ذات اليوم لقيت جثته في حي الوحدة في الموصل، وقد شيع الى مثواه الاخير في اليوم التالي.

تروى امرأة رأته لحظة استشهاده عندما جاء به القتلة الى مكان اعدامه في حي الوحدة قرب مستشفى السلام، اذ كانت المرأة واقفه في شرفة بيتها وهي شاهدة على الحادث وكان الوقت قبل غروب الشمس بقليل بلحظات حيث نفذوا به الاعدام، فسمعته وهو يقول : ( مرحباً بلقاء الله )، عند لحظة الاعدام، اطلقوا عليه اربع رصاصات في وجهه ورقبته اودت بحياته فغابت روحه مع غياب الشمس، وكأن غياب الشمس كان على موعد مع غياب تلك الروح الكبيرة لتعبر تعبيراً كونياً عن غياب امثال هؤلاء الرجال العظماء عن الوجود بعد ان كانت حياتهم شمساً ونوراً تضيء الدروب للاخرين عند مفترق الطرق. … وهكذا يمضي الشهيد في موكب الخالدين ليحيا حياة الابدية في الاخرة وتبقى بصماته شاخصةً في حياة الناس.

وهكذا تحققت دعوة الشهيد عمر رحمه الله بان يلقى الله شهيداً وهو الذي طالما هتف في جماهير المسلمين الموت في سبيل الله اسمى امانينا.

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here