أعد ضبط البوصلة واكتشف صحة اتجاهك إلى الله

0
2353

بقلم: محمد صادق أمين

سعُينا في هذه الحياة، أقسم الله تعالى على أنه ( شتى ) ، يأخذنا بعيداً عن مسارات المراجعة لذواتنا وأفكارنا وسلوكنا مع الله، فيمضي أحدنا بهذه الرحلة الشاقة نحو النهاية؛ دون توقف وبذل جهد وتجشم عناء المراجعة للذات، ونحن في الغالب ماضون ونحن على قناعة وثقة تامة أننا على الحق وفي طريقنا الصحيح نحو الحق، ومصيبة المصائب وكارثة الكوارث إذا عدنا إليه ووجدنا بعد المراجعة والحساب (( يوم تبلى السرائر )) أننا كنا نسير إليه في المسار الخطأ.

ضبط البوصلة

العاقل من ينظر في المآلات ولايصب جل اهتمامه وجهده على المقدمات، ومن آطال النظر ومنح نفسه محطات للتوقف، ومراجعة الذات وتقييم المسافات، يحصل له ضبط البوصلة، ويتجنب السبل التي رسمها النبي صلى الله عليه وسلم في لوحته التشكيلة على التراب، وهو يصف لصحبه الكرام الطريق إلى الله مجسداً إياه خطاً مستقيماً.

وقد انتدبتنا السنة الشريفة لقراءة سورة الكهف كل جمعة، وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن  ( من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ، أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ ) ومن يعرف مقاصد الشريعة يدرك أن وراء كل تشريع قصد غاب عن نواظرنا أو حضر، فنحن نتبعه اتباع راغب بما عند الله، وبعد ذلك يظهر لنا من المقاصد السنية، ما تتفتح به القلوب التقية والبصائر المهدية.

ومن هنا؛ يمكننا أن نستنتج أن في الكهف أنوارٌ قرآنية، ومصابيح نورانية، تقودنا إليها هذ السنة أسبوعياً، وفي الكهف آية عظيمة ترتعد لها فرائص الحريصين على ضبط البوصلة، وهم يسلكون إلى الله السبل، ويسعون إليه بالغايات: (( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )).

إذا؛ علينا أن نقف سويعة مع ذواتنا وقفة تفكر، ونراجع أنفسنا مراجعة مشمّر، هل أنا في الطريق الصحيح إليه؟ فكل منا له ما يتبناه من الأفكار، وما يعمل به من مناشط، وله تحركات، وجلّنا ماضون على يقين أننا نحسن صنعاً، ويعلم الله ثم الراسخون في العلم أن الوثوق بهذا الاعتقاد لايبلغ بالمؤمن شواطئ السلامة، وحين يقلّب أحدنا صفحات الذاكرة يجد صوراً وحكايات يعجز العقل عن تفسيرها.

فهناك يقبع الداعية المفوه الثبت الذي هدى الله بيه أجيالاً، حين استأمنه الناس على أموالهم في عمل تجاري او استثمار حلال، فلما أثمر المال في يديه وتكاثر، انقلب على عقبيه وقلب لمن أمنه ظهر المجن وحاز المال إلى خزائنه غير آبه ولا مكترث، فتتساءل أي فتوى استند إليها، وأي نص اتكأ عليه في أكل الحرام واستمرائه والتمتع به، وهو لما يزل يجاهر انه ثابت على دينه وعقيدته ومنهاجه ! ويكاد يجمع العارفون بالله أن الرجل قد ضل سعيه في الحياة الدنيا، وذاك العالم المفوه يرتع في فنادق النجوم الخمس، يعلن الحروب ويخوض بدماء الشباب البريء غمار الثورات وهو في دار السلامة، يخدم بلداً آواه هنا، وأجندة حققت له نفعاً هناك وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ويجمع بين منافع الدنيا ودرجات الآخرة، وما ضن أنه بإجماع الصادقين، بات من (( الأخسرين أعمالاً )).

وكم من صورة ثالثة وحكاية رابعة وقصة مماثلة، وأمثولة سال بذكرها المداد، ورواية تحدثت بها الجلسات، عن أولئك الذين ما دار بخلد أحدهم وهو يمضي نحو النهاية أن يعرض نفسه على الآية ذات جُمعة، حيث تتقد مشاعل الإيمان وتأخذ الروح إلى سبحات التأمل.

إن توحيد الله في المقصودات والغايات، سفينة النجاة التي تأخذ بأيدي السالكين إلى جزر النجاح، ومدارج الفلاح، ومنتهى الصلاح، ولا أرى من تفسيراً لتخلف النصر عنا على مدار العقود المتوالية، والسنين المتتالية، إلا الاختلال في هذا المقصد، والابتعاد عن هذا السبيل، فيتحقق من الابتعاد عن النصر الناجز الذي وعد الله به عباده وعد الحق في التنزيل، بقدر ما تتوالي مصائب الخسران الفردي والجماعي في الوصل إلى الهداية في الغايات والمآلات.


 تأمل الحال

فإن حصل لك بآنف ذكره قناعة، فتأمل يرحمك الله كل جمعة حالك، وتحقق من مقصدك، ولا تعلّق على الأماني برحمة الله ومغفرته سبحانه كل غسيلك، ولا تعوّل على ما يفتيك قلبك وإن أفتاك وزين لك مبتغاك، وأقرأ إذا شئت لابن الجوزي ( تلبيسه ) تدرك إدراك قانع أن أفقه من في الأرض شيطان يفتي القلب ويتخير له النصوص تخيراً، والأدلة العقلية يزينها تزيناً، فيضل القلب طريقه، وتتيه الروح في وحول المشتهيات الكثيرة الغزيرة.

وأعلم رحمك الله من أحوالك، حقيقة ما أنت عليه لا من أقوالك، وتزيين القلب لفعالك وامتداح الناس لشمائلك وخصالك، وأنظر هل انت حققت التوحيد في المقاصد، ولا اقصد بخلاف التوحيد أن تعبد الصنم أو تيمم وجهك صوب الحجر، فقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من شرك خفي يدب في القلب دبيب النمل لا يشعر به إلا من عصمه الله وأنجاه.

ومن علامات ذلك، أن تنشط حين ترى مراصد عيون الناس إليك مركّزة، ومدائحهم لك ولفعالك مُنشّرة، فإذا غابت عيونهم عنك وبقيت عينه التي لا تنام، ومعيته التي لا تنقطع، دب إليك الكسل، وتعللت لنفسك متنكباً ألف دليل ودليل على صواب فتورك وقعودك.

ومن مؤشراته؛ أن تأخذك الحماسة لدين الله إن كنت في حضرة وجيه أو قائد دعوي، فتبدي حرص النبيل، وخضوع الكليل، وصدق الناصر لدينه الأمين، فإن كنت في معية داعية من وراء الصفوف  لا يرجى جاهه، ولا يأمل وصاله، انطفئت جذوة الحماسة، وأصابك فتور وكئابة، وعاجلت بإنهاء التلاقي، غير ذراف لدموع المئاقي التي ذرفتها في حضرة القادة الذين زينت لك نفسك الأمارة نفعهم وضرهم من دون الله.

هل وصلتك إلى هاتفك رسالة واتساب ( مثلاً ) من مغمور دعوي لا ترجى عند الناس شفاعته ولا يبتغى من صحبته منال، ( فعبست لها وتوليت ) ، فإذا ما جاءتك رسالة الوجيه الذي ترجو نفعه وضره، تنكبت لها سهام البلاغة، واقتطعت لها زينة أوقاتك، مظهراً حرص الداعي ونشاط التقي المخلص، فإن فعلت فعلم أنك قد أشركت مع الله في غايتك، وأفسدت بما فعلت بضاعتك.

هل وضعتك دعوتك على راس عمل دعوي، ومؤسسة رجت من ورائها غرس زرع خيري فلما نجحت بتوفيق الله وبركة الجماعة، حدثتك نفسك أنك فارس هذا النجاح، وأنك إنما  ( أوتيته على علم عندك ) فاستأثرت به لنفسك، ونشرت النفع في أقاربك وانتقيت حولك من يتملّقك ويجاريك ويمدحك، وحرصت أن يرتبط النجاح بذاتك، وابعدت من غلب على ضنك قدرته على أن يكون في عقبك، فإن فعلت ذاك وما يماثله فاعلم عافاك الله أن البوصلة لن توصلك للغاية المرجوة.

هي منهجية (( بل الإنسان على نفسه بصيرة )) والسعيد من وجد له في الطريق إلى الله صاحب صدق، يريه من نفسه ما تكره أن تراه، على خطى ( المؤمن مرآة أخيه ) ، فإن النفس ميالة للسير في مسارب السهل، ومجاري الهوى ومن عافاه الله نجا، ومن أغواه الشيطان فقد افتاه فغوى.

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here