بقلم / الدكتور منير السامرائي
( ما أضيق العيش لو لا فسحة الأمل ) .. ( لا يأس مع الحياة ، ولا حياة مع اليأس) : عبارات تعلمناها صغارا ، وشعارات رددناها إسرارا وجهارا .. فرسخت في الذاكرة واستقرت في الضمير ، نستدعيها كلما ضاقت الأرض بما رحبت ، وظن أهلها أن مشاكل الحياة قد استعصت على الحل .. فتفيء النفوس الى رشدها ، بانبلاج فجر جديد بتباشير الأمل .. فلا يمكن للإنسان أن يحيا بلا أمل يداعب خياله ، ولا يمكن للحياة أن تستمر بلا رجاء يغذوها للبقاء .. فالأمل والرجاء بوابة المستقبل التي يتطلع إليها كل إنسان ، متجاوزا الصعاب ، وآخذا بالأسباب ، ومتعلقا برب الأرباب ..
إن الأمل صنو الإيمان ووليده ، وإن اليأس أخو الكفر وحفيده .. فكما أن الإيمان والكفر لا يجتمعان في قلب حي ، فإن الأمل واليأس لا يأتلفان في نفس واحدة .. فليس للمؤمن إلا أن يعيش بالأمل في رحمة الله وفضله .. (( لا تقنطوا من رحمة الله )) ، فذلك من سلامة العقيدة وصحة الإيمان بالغيب ، وحسن الصلة بالله تعالى ..
الأمل .. إنه البارقة التي تبدد ظلام الليل إذا تلبدت السماء بالغيوم ، فإذا الغيث ينهمر فتحيا به بلدة ميتا (( كذلك الخروج )): الخروج من الموات الى الحياة .. من ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة ..
أنه أنفاس الصباح التي تعطر الأجواء بعد أن عسعس الليل بردائه الثقيل ، فإذا القلوب منشرحة والنفوس في انبساط وأريحية تجدد الحياة والإرادة ..
وإذا كانت للجائحة المستطيرة آثارها السلبية الكبيرة والخطيرة في شؤون الحياة كلها ، من تعطيل المصالح وتحديد التعاملات ، والتضييق على الناس في علاقاتهم الإجتماعية ، وحتى التفكير في مشاريعهم المستقبلية ، فإن ذلك لا يعني أن تودع الأمل من حياتنا ، ونـحذف مفرداته من قاموس يومياتنا .. فذلك الموت الكمد ، والقتل العمد .. بل إننا نرقب الأمل شعاعا يتسلل من شروخ جدار اليأس الذي قد يحيط بنا .. فينير الحاضر والمستقبل بإشراقاته .. فها هي الجائحة – على ما فيها من آلام وما يصحبها من منغصات – فجّرت الطاقات الإنسانية وشحذت الهمم على تجاوز المحنة في صور شتى : من الرعاية الصحية بسواعد الجيش الأبيض ، والمساندة النفسية والمساعدات الإغاثية بجهود الفعاليات المجتمعية ، والجهود العلمية التي تغالب الزمن لمحاصرة الفيروس المستجد ومعالجة آثاره .. إنها فتحت بابا واسعا للتنافس على الخير ، كأنها شعلة الأمل التي ينطلق بها العدّاؤون نـحو القمة فيتبعهم المشمرون لتعود الحياة الى صخبها وضجيجها ، والى التدافع الباعث على الإنجاز وتحقيق الأهداف رغم المعوقات والمصاعب .
أرأيت لو أن الحياة تسير على وتيرة واحدة من الراحة والدعة والتيسير ، هل تجد لها طعما مميزا على توالي الأيام وتعاقب الاعوام ؟ ألا ترى أن الصعوبات والمعوقات تبعث فيك روح التحدي ، فتنتفض من أرض الرتابة والملل لتقدم إنجازا يشيع في نفسك قيمة من قيم الحياة ، وتطبعها بطابع التغيير ؟ وقد قالوا ( إن التغيير هو الثابت الوحيد في الحياة ) ، فمن لا يسلك طريق التغيير فقد تحنطت أوصاله وتكلست ركابه .. والأمل مفتاح التغيير .. ذلك أنه ” بهارات ” الحياة التي تضيف الى طعمها شيئا آخر وتضفي عليها نكهة جديدة على مذاق ( الأومامي ) [1] .. فتستمتع به ولو كان فيه حرارة أو مرارة أو لذعة مثيرة ..
فخذ – أخي الكريم – قبسا من تلك الشعلة الوقادة وأَنِر بها طريقك وأجعلها دليلا للأجيال من بعدك .. وتناول جرعة من هذه المطيبات ، امزج بها طبقك ، لتجد متعة جديدة من متع الحياة ..ولا تستسلم لوساوس الشيطان فإنه ( يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم ) .. ودع عنك دعوات المثبطين واليائسين ، فإنهم جواذب للهموم والتقاعس والقلق ، وداعمون للإستسلام والقعود والملق .. و احرق ورقة التشاؤم من دفترك وابنِ جسرا من الأمل على نهر اليأس ، لتنعم بحياة سعيدة ، وتنطلق نـحو الآفاق : آفاق الأمان والإطمئنان والسلامة ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – ( الأومامي ) هو المذاق الخامس من مذاقات اللسان، مختص بالطعم اللاذع اللذيذ ، ويعتمد على وجود حامض الغلوتاميك في الغذاء ، فيضفي عليه مذاقا رهيفا لاذعا مزيجا من الحلاوة والحموضة ونكهة التوابل .