بقلم الدكتور منير السامرائي
يصف القرآن الكريم المؤمنين – من بين ما يصفهم به – أنهم ” لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ “ .. والفزع الأكبر هو يوم القيامة بأحواله وأهواله ، التي تذهل لها كل مرضعة عما أرضعت ” وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ “. وفي خضم هذا المشهد الحزين ، تجد قوما سبقت لهم من الله الحسنى ،. فلا يشعرون بالحزن ، بل إنهم ” فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ ” .. فللّه درّهم .. كيف لم يحزنوا من دون الناس ؟! وكيف أمنوا وقد خاف الناس ؟! وتأتيك الإجابة عجلى بأوضح بيان : ” مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ”.. فالمجيء بالحسنة هو رأس المال الزاكي الذي يدر ربحا من الخير وفيرا ، والرصيد عملته ” الحسنى السابقة ” الذي يذهب عنهم الحزن .. ” لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ “.
ولكن .. لماذا ( الحزن ) هو المستبعد في ذلك الموقف الرهيب ؟ موقف ” الفزع ” .. الرعيب ؟
إن المواقف العصيبة التي تثير الفزع ، تقتضي مواجهتها رباطة الجأش وشجاعة نفسية عظيمة ، مصدرها الأول الإيمان .. فالإيمان حقيقة ايجابية ، أي أنها توجب عملاً صالحاً ، يعزّز الرصيد من الطاقة الروحية فتكون سلاحا في المواجهة ، ذخيرته الحية الرجاء في رحمة الله والتعلق بموعوده الذي لا يتخلف .. وبذلك يجتاز المؤمنون المحنة ، وهم مستبشرون .
أما الحزن – حين يتجاوز حدوده الفطرية ومتعلقاته في الطبيعة الانسانية – فإنه يولد الإكتئاب والتدهور النفسي ، الذي يبدد الطاقة الروحية ويستنزفها ، فيفقد الجهاز المناعي فاعليته ، فلا يقوى على المواجهة ، وينهار أمام أي خطر أو شعور بالخطر ..
واليوم .. طّوّف في العالم زائر ثقيل خبيث رغم صغره المتناهي ، يشيع الذعر في كل مكان ، فاستحال المشهد العالمي الى صورة من الفزع متعددة الأبعاد : فتلك المدن الصاخبة إذ هي على عروشها خاوية ، وتلك الحشود المليارية من البشر التي كانت تملأ الساحات والشوارع ضجيجاً قد أوت الى جحورها ، يملؤها القلق والترقب مما هو آت .. وتعطلت مظاهر الحياة في الأرجاء التي كانت تسمى معمورة ، فأصبحت على يد كورونا الخفية الضئيلة ، مهجورة .. لا تكاد تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً .. في صورة نختصر وصفها في أنها ” الفزع الأصغر ” .. وليس بعد هذا الاختصار للمشهد عنوان ..
وإذا كان المؤمن – بفضل الله ونعمته – وبالحسنة والسبق بالحسنى قد أمن ذلك الفزع الأكبر ، فكيف به مع الفزع الأصغر ؟. قمين به أن لا يحزن .. وحري به أن يأمن ,, ولكن المطلوب منه أن يدفع التكاليف ويقدم الثمن، أن يجيء بالحسنة ، التي ينطوي تحت مسماها الكثير من الخيرات والقربات .. لتتلقاه الملائكة ، عن قريب ، بالترحيب ” هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ” . نسأل الله العلي القدير أن نكون منهم .. آمين .