الكرامات المجروحة

0
1223

بقلم: خالد وليد محمود

يُروى من أيام الاحتلال البريطاني للهند أن ضابطاً بريطانياً صفع هندياً فقيراً على وجهه، فما كان من الهندي إلا أن ردّ الصفعة للبريطاني بواحدة أشد منها. ومن هول المفاجأة، فزع الضابط المرتبك إلى رؤسائه للاسترشاد وطلب الانتقام لشرف الإمبراطورية المهدور. لكن ما زاده دهشة كان طلب رئيسه منه أن يأخذ من الخزينة خمسين ألف روبية، (ثروة في ذلك الوقت) ويذهب إلى المواطن الهندي ليعتذر له عن الصفعة ويعطيه المال. ولم يفهم الضابط ما يحدث.

قبل الهندي النقود والاعتذار، وتحسّنت أحواله، وأصبح تاجراً كبيراً، ونسي الصفعة، لكن الإنجليز لم ينسوا صفعته للإمبراطورية. وهكذا، بعد فترة، استدعى الضابط الكبير مرؤوسه وذكّره بالهندي إياه، وطلب منه أن يذهب ويصفع الهندي – الذي أصبح غنياً الآن- مجدداً وأمام حشد من الناس. لم يفهم الضابط الصغير كيف يمكنه أن يصفع الهندي النافذ ويفلت بفعلته، وهو الذي لم يفلت بها أيام كان الرجل فقيراً ضعيفاً، لكنه أطاع الأمر العسكري.

ذهب الضابط إلى الهندي، بين حرسه وخدمه وزواره، وصفعه بقوة أسقطته أرضاً. ولكن، لم تصدر عن المضروب هذه المرة أي ردة فعل، بل ولم يرفع رأسه أمام الضابط الذي عاد إلى رئيسه مندهشاً. وشرح الرئيس له كيف أن الهندي عندما كان فقيراً، لم يكن لديه ما يخاف عليه غير كرامته، فثار لها. والآن أصبحت لديه أشياء عزيزة أخرى يخاف عليها، ويتغاضى عن كرامته من أجلها.

السؤال هنا: تُرى كم من أمثال هذا «الهندي» يسرح ويمرح في بلادنا ؟! أليست الكرامات المجروحة في عالمنا العربي بحاجة لمن يدافع عنها، أو على الأقل لمن يعيد فتح ملفاتها المنسية؟.

أما بعد..

عندما تحترم كرامتك وتعتبرها أغلى ما لديك، ستدافع عنها حتى ولو ضحيت بحياتك، لكن عندما تفرّط فيها مقابل مصلحة مهما كانت، فلن تستطيع الدفاع عنها حتى ولو بكلمة. كما لن يركب الناس ظهرك ما لم تسمح لهم بذلك؛ فكن قنوعاً بما كتب الله لك تكن أغنى الناس.

 

المصدر: العرب

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here