لوقت الفراغ أهميّة وقيمة عالية؛ حيث يمكن استغلاله في اكتساب مهاراتٍ جديدةٍ، ويمكن أن يروّح فيه الفرد عن نفسه، وقد جاء لفظ وقت الفراغ من أصل لاتينيّ؛ فهو مُشتقّ من لفظ (licere) الذي يعني التخلّص من ارتباطات العمل والتزاماته، أمّا في الوقت الحاليّ فأصبح يُطلَق على حريّة الفرد في ذلك الوقت، واستخدامه بطرُق شتّى.
طُرق استغلال أوقات الفراغ
الإنسان الناجح هو من يُحسِن استغلال الوقت، ويعرف كيف يُدير وقته وينظّمه، ويغتنم أوقات فراغه في أعمالٍ تعود عليه بالنجاح والتقدّم، فترتفع الرّوح المعنويّة لديه، ويكون النجاح والتقدّم حليفه في خطوات حياته، وتتّضح صورة الحياة أمام الفرد بكلّ ما فيها من واجباتٍ وأعمالٍ وترفيه.
من الطُّرق التي يُمكن استغلال الوقت عن طريقها لتكون ذات فائدةٍ، ما يأتي:
ممارسة بعض الأعمال المفيدة في المسجد؛ فالمسجد ليس مكاناً للصلاة في الأوقات الخمسة المفروضة فحسب، وإنّما يستطيع الإنسان أن يمارس فيه العديد من الأنشطة المفيدة، مثل: الذِّكر، وتلاوة القرآن، وعمل حلقات تحفيظ كتاب الله وتفسيره، ومسابقاتٍ ثقافيةٍ وعلميّة.
قضاء الوقت في ممارسة بعض الهوايات والأنشطة الرياضية التي تُقوّي الجسم وتُمرِّنه، وتمدُّه بالطّاقة واللياقة البدنيّة، ومن هذه الرياضات: رياضة الجري، والسباحة، والفروسيّة، وركوب الدرجات الهوائيّة.
الصيد من الأفعال التي يستطيع الإنسان القيام به في أوقات فراغه؛ فهو يعلّم الإنسان الصّبر، والهدوء، والحِكمة.
التدرّب على المِهن الصناعيّة المختلفة؛ فهي تزيد مهارات الفرد في إتقان الحِرَف التي يحتاجها الإنسان في حياته.
الدخول في دورات تدريبيّة تصقل شخصية الفرد، وتنمّي مهاراته، وتزيد مخزونه العلميّ والثقافيّ.
المشاركة في معسكرات تدريبيّة ورحلاتٍ علميّةٍ وترفيهيّة بصورةٍ جماعيّة، يخرج منها الفرد بفوائد عديدة تعود عليه وعلى الآخرين.
المشاركة في دورات تقنيّة حديثة، مثل: التدرّب على الحاسب الآليّ ووسائل التعليم الحديثة؛ بهدف تنمية مهارات الفرد، وزيادة سعة اطّلاعه في جوانب الحياة كافّةً.
فوائد استغلال أوقات الفراغ
الوقت ثمينٌ في حياة مَن يُقدّره، ولذلك على الفرد أن يستغلّ كلّ دقيقة من حياته، ويستفيد من أوقات فراغه في دنياه وآخرته؛ فإذا استغلّ الإنسان الفراغ أفضل استغلالٍ، ومارس فيه العديد من الأنشطة المفيدة، وتدرّب على المهارات التي تقوّي شخصيّته، حقّق الفوائد الآتية:
يُعطي استغلال وقت الفراغ الإنسان شعوراً عالياً بالثقة بالنفس، وأنّه قادرٌ على الإنجاز والعطاء في أيّ وقت، فيُقدّر ذاته، وترتفع معنويّاته ويستطيع الشخص في وقت فراغه أن يكشِف عن هواياته، وأهمّ الأنشطة المُحبَّبة لديه، والتي يرغب في تطويرها والاستمتاع بها وتظهر شخصية الفرد في أوقات فراغه والأنشطة التي يُمارسها؛ فيُقدّر ذاته، ويعبّر عنها بالطرق التي يراها مناسبةً ويُتيح الفرصة للشخص لتعلُّم مهاراتٍ عديدةٍ قد لا يجدها في ساعات عمله الطويلة، وبهذا يُحقّق الذات ويُنمّيها بشكلٍ إيجابيّ.
عند استغلال الشخص لوقته؛ فإنّه سيجد الوقت الكافي للراحة والاسترخاء بشكلٍ منظّم، وتحسين العلاقات الاجتماعيّة من خلال الأنشطة الجماعيّة التي تهدف إلى الترويح عن النفس، والتّرفيه. يُخفّف ضغوطات العمل المتواصل، ويُجدّد النشاط والحيويّة؛ لمواصلة ساعاتٍ جديدةٍ من العمل الشاقّ.
الحاجات المُتحقّقة في وقت الفراغ
ممّا سبق يظهر أنّ عدّة فوائد تعود على الفرد عند استغلاله أوقات الفراغ؛ حيث يُحقِّق فيها الحاجات الأساسيّة لديه، مثل:
الحاجات الجسميّة: كالأنشطة العديدة، والرياضات المتنوّعة، حيث تُزيل التوترات العضليّة عن جسم الإنسان، وتنشّط الدورة الدمويّة. والحاجات الاجتماعيّة، وذلك بالتواصل الاجتماعيّ الذي يُحقّقه الفرد نتيجة الأنشطة الجماعيّة أثناء اللعب والترفيه. والحاجات العلميّة والعقليّة حيث يتحقّق ذلك عن طريق زيادة علم الإنسان، وثقافته، ومعرفته، وتعلّم المهارات العديدة.
أهميّة الوقت في الإسلام
أقسم الله سبحانه وتعالى في آياته الكريمة بعدد من مخلوقاته، ومعروفٌ أنّ قسم الله بشيء دلالةٌ على أهميّته، وعندما يتكرّر القسم بالشيء فهو تأكيد على أهميّته، ومن الأشياء التي أقسم الله سبحانه بها الوقت، حيث قال:” وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ”، وقال سبحانه:” وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى* وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى”. وفي هذه الآيات الكريمة وغيرها أقسم الله – سبحانه- بالوقت، وإن دلّ هذا على شيء فهو يدلّ على أهمّيّته، وهو أسلوب تنبيهٍ وتذكيرٍ بقيمته لدى الإنسان، ويأتي سبب أهميته من الأعمال التي تُؤدّى فيه، أعمالِ الخير والشرّ التي سيُسأل عنها العبد يوم القيامة.
يُعدّ الوقت أمانةً في يد الإنسان، هو مُستأمَنٌ عليه، إلا أنّ الكثير من الناس لا يُقدّرون أهميّته، ولا يُحسنون الاستفادة منه واستغلاله؛ ولذلك فقد نبّه الرسول عليه الصلاة والسلام على ذلك في مواطن كثيرةٍ في السنة النبويّة، حيث بيّن أنّ على المسلم اغتنامه؛ فهو يُعدّ أثمن من المال، وأنفس النفائس في الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اغتنِمْ خمساً قبل خمسٍ: شبابَك قبل هِرَمِك، وصِحَّتَك قبل سقَمِك، وغِناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك”. وروى البخاري عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:” نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحّة، والفراغ”.
يُعدّ استغلال الوقت ومدى استفادة الفرد منه هو المُحدِّد للفروقات بين الأُمم المختلفة؛ الناجحة منها، والمتخلّفة، كما يُميِّز بين الأشخاص الناجحين الذين عرفوا كيف يستفيدون من أوقاتهم والأشخاص العاديّين، وقد ضربت الأمّة الإسلامية للأمم الأخرى أفضل الأمثلة على استغلال الإنسان للوقت، فكانت الانتصارات العديدة، والبطولات المُشرِّفة للإسلام والمسلمين.
الموضوع – عُلا العناتي