ولد الشهيد في ناحية النمرود عام 1934 في ناحية النمرود قرية المخلط، وتقع شمال مدينة الموصل، نشا يتيماً حيث مات ابوه وهو صغير، وتولّت امه جانب الرعاية والتربية والاهتمام، ولعدم وجود مدرسة في القرية التي يقطنها، اضطر للدراسة في مدرسة بعيدة فكانت نتيجته في الدراسة الابتدائية الاول على المنطقة الشمالية، ولكن ظروف العيش وفقر ذات اليد حالت دون اكماله مسيرة الدراسة؛ اذ تفرغ للعمل من اجل الكسب الحلال وكذلك نشاطه في الدعوة الى الله عز وجل ورزقه بزوجتين وعشرة ابناء وسبع من البنات وكلهم على طريق الدعوة بفضل الله.
طريق الدعوة
تطوّع الحاج احمد في صفوف الجيش ليخدم بلده وفي تلك الاوقات وتحديداً في عام 1959 تعرف على دعاة الحركة الاسلامية وعمل في صفوفها بكل ثقة وعزم، حتى انه في فترة التنظيم السري للحركة بقي يحتفظ بالطابعة التي كانت تنسج مطبوعات الدعوة دون خوف او وجل.
كان يرحمه الله الداعية الوحيد في ناحية النمرود فقد سعى لنشر الاسلام والدعوة اليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وتمخضت جهوده في ايجاد صحوة اسلامية تتبنى الاسلام ديناً ودولة وعقيدة وشريعة ومنهجا للحياة، وكان رحمه الله ذا همة عالية يحب الشباب ان يؤدوا الدور الذي كان يؤديه في الدعوة الى الله، اذ كان يزور اصدقائه واخوانه في كثير من القرى وقد قارب السبعين عاما.
فهو داعية فذّ وانسان صادق ممتلئ قلبه بحب الاسلام واهله، وقد حظي باحترام الناس في قريته ومنطقته فاستحق التقدير والثناء لما بذله من جهود مخلصة وصادقة في خدمة دينه، نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله احد.
عمارة بيوت الله
خلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات لم يكن هناك وجود للمساجد في قرى وارياف الموصل ومنها القرية التي كان يسكنها الحاج احمد يرحمه الله فكان يدعو الناس لاقامة صلاة الجمعة في بيته، وفي عام 1968 اراد ان يبني مسجداً، فبدأ ارباب السوء بكتابة التقارير ضده وقالوا له: اذا بنيت المسجد فسنجعله منظمة حزبية، ومنذ ذلك الحين والى عام 1985 استطاع بفضل الله ومن ثم جهود الاخوة الدعاة من اكمال بناء هذا المسجد.
كان احد افراد قرية ( المخلط ) ضابطا في الجيش العراقي وفقد عائلته جميعاً في قصف ملجأ العامرية عام 1991 واراد ان يبني ديوانا كبيرا يجتمع فيه اهل القرية للحديث والسمر، فلما سمع الحاج احمد بالموضوع عرض عليه ان يبني مسجدا في احدى القرى فهي لا مسجد فيها خيراً من بناء مكان يكون الحيث الغيبة والنميمة، فاستحسن الرجل الفكرة وبنى المسجد واسموه مسجد الشهداء الخمسة وفاءً لذكرى عائلته.
النشاط العلمي والدعوي
تتلمذ الحاج احمد رحمه الله على جمهرة من علماء الموصل ولعلّه كان اكثر قرباً لعالم الموصل الشيخ عثمان الجبوري وكذلك مصاحبة الداعية الجليل الاستاذ غانم حمودات والدكتور حازم عبد الله والشهيد الدكتور عمر محمود عبد الله.
وجدير بالذكر انه كان اول المستقبلين للاستاذ محمد محمود الصواف اثناء عودته من القاهرة الى بغداد وسلم عليه عند باب الطائرة لانه كان حينها موظفا في المطار.
عرف عنه رحمه الله بـ ( الرجل الصالح المصلح)؛ فهو شخصية اجتماعية واسعة العلاقات العشائرية داخل الموصل وخارج وهو يتمتع بشجاعة وجراة واقدام من الطراز الاول، وقد ساهم كثيرا في الاصلاح بين الخصوم، وقد جعل من بيته مكانا للصلح بين العوائل المتخاصمة ويقوم بنفسه يرحمه الله تعالى بالتواصل مع الجميع، وليس هذا فحسب، بل له يد بيضاء في اغاثة الارامل والايتام وساهم في مساعدة الناس بصدر رحب، فقد رزقه الله محبة الخلق.
من اقواله:
( فمن حكم الحياة ان يعلم الانسان ان هذه الدنيا دار بلاء وعناء وفناء لا دار امان وسعادة وبقاء، فلا يركن للدنيا ولا يطمئن اليها والى زخرفها، بل يعيش فيها كالغريب او المسافر الذي همه وشغله الشاغل ان يصل الى موطنه الاصلي الذي هو الجنة الدار الوحيدة التي يجد فيها المرء الراحة والامان والتي قال تبارك وتالى فيها ” لا يبغون عنها حولا”. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره هذه الاية: تنبيه على رغبتهم فيها وحبهم لها مع انه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائما انه قد يسأمه او يمله فاخبر انهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقاله ولا رحلة ولا بدلا.
مع المحن
تعرض الحاج يرحمه الله الى صعوبات كثيرة في مسيرة حياته،وتم انزاله من قبل زمرة الحزب الواحد من المنبر بسبب مناهضته لفكر الطاغية الظالم، لكنه بصبره وثباته في وجه الريح العاتية ظل متمسكا بالعروة الوثقى داعيا الى الله ويلتقي بالناس ويدعوهم الى تعظيم شعائر الاسلام ونصرته.
قالوا عنه
يتحدث الاستاذ غانم حمودات رحمه الله عن شخصية الشهيد ودوره في نصرة الدعوة فيقول: (احمد الصالح من عشيرة الجبور في قرية السفينة وترجع معرفتي به الى ما قبل خمسين سنة وقد كان رحمه الله شديد الاعتزاز بالاسلام ودعوته ولا يكاد يسمع بفاتحة الا اسرع اليها، اذ الفواتح في القرى يجتمع فيها الناس وكان يتكلم كلام المؤمن الجرئ الذي لا يخشى في الله لومة لائم، واشهد انه ما لقيني يوما او لقيته الا وكلامه في الاسم وتالمه لما عليه الناس من بعد عنه واتهام لدعاته بالباطل).
الشهيد الصائم
مضى الشهيد ملبياً نداء الفجر واقفا في صلاة الجماعة ثم انطلق بعد ذلك الى مركز مدينة الموصل لشراء بعض الحاجيات وبعد ان اكمل مشواره في التبضع، صلى بالناس الظهر اماما في المسجد بكراج المواصلات واستقل سيارة مع زوجته ومختار القرية وفي طريق عودته تبعته سيارة تقل مجموعة من عصابة الدم، حيث انزلوه من السيارة واطلقوا عليه النار مع الرجل مختار القرية الذي كان معه، وصعدت روحه تشكو الى الله ظلم المجرمين، وكان ذلك يوم السابع من رمضان الموافق 10/10/2005.
رحم الله العبد الصالح رحمة واسعة، وحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا.