أبو أساور .. القلب المعلق بالقرآن

0
1442

ولد احمد في مدينة القائم عام 1980 وسط اسرة اسلامية تسجد لله سبحانه خمس مرات في اليوم والليلة، فكانت البداية مشجعة في ريادة المسجد يقوده في ذلك توجيه من اب حنون اتخذ الدعوة وتبليغ رسالة الاسلام منهاجا في الحياة.

وحين حطت العائلة رحالها في مدينة الفلوجة كان قد تهيأ للجلوس مع التلاميذ على كرسي الدراسة، فاكمل الابتدائية في مدرسة القدس عام 1993 وانهى الثانوية والاعدادية في مدرسة الرحمن عام 1998 توجه بعدها الى العاصمة بغداد ليتقدم باوراقه في كلية الرافدين ومع نهاية العام 2003 كان قد تخرج متخصصاً في هندسة البرامجيات.

جامع الراوي.. الخطوة الاولى

امتاز هذا المسجد بكثرة النشاطات واحتضانه لعدد مبارك من حملة الكتاب العظيم والاجواء فيه كانها خلية نحل لما يشهد من فعاليات مختلفة كالاحتفالات والمحاضرات ومعارض الكتب والاحتفاء بالمناسبات الاسلامية على مدار العام.

نشأ احمد وسط هذا المناخ الايماني المفعم بروح الاخوة وتشكلت شخصيته الدعوية بين اروقة المسجد، ومنه انطلق الى حلقات العلم ملازما الحضور عند العلماء فدرس عند الشيخين الشهيدين حمزة العيساوي واحسان الدوري مع ملازمة مباركة للشيخ محمود عبد العزيز ومثل هذا السعي الحثيث بداية نشاطه ونبوغه مع صغر سنه قياسا بمن كانوا معه في رحلة طلب العلم انذاك.

امتلأ قلبه بحب القران يتعاهده حتى اتمّ حفظه على افضل وجه ممكن، مع نيل الاجازة في القراءة بالسند المتصل الى النبي صلى الله عليه وسلم، فسارع مع اخوانه ومحبيه في رعاية الاشراف على دورات الحفظ للمصحف في عموم مساجد المدينة، وهو بذلك يقتفي طريق الخيرية الذي جاء في الحديث الصحيح عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:” خيركم من تعلم القران وعلمه”. رواه البخاري

سطع نجمه في الكثير من المسابقات داخل العراق اذ رفع راس مدينته عالياً باحرازه مراتب متفوقة في الحفظ واتقان احكام التلاوة وكانت له البصمة الواضحة في جمعية البيان لتحفيظ القران فهو المحرك الفاعل لنشاطات الجمعية ودوراتها ومن شدة تعلقه بالقران انه سمى ابنته التي لم راها بـ ( اساور) تيمّناً بلباس اهل الجنة.

ولم تكن دورات القران نشاطه الوحيد، بل قدم الكثير من المشاريع الدعوية فاصبح مضرب المثل في العمل والمبادرة يحرك الشباب ويطرح الافكار، وما من عمل في جامع الراوي الا وتجد لابي اساور فيه بصمة.

تسارعت خطاه خارج حدود مسجده، فشملت جامع الفردوس وجامع نزال وجامع عبد العزيز وغيرها وعقد العزم على مشروع يجمع فيه جهود شباب مساجد الفلوجة لاشاعة روح التعاون والاخوة بين الجميع واعد لذلك العدة لكن بشارة الشهادة كانت الاسرع اليه والاحب الى فؤاده.

في ركب الدعوة

تربى احمد في بيت من بيوت الحركة الاسلامية، فقرأ رسائل الامام الشهيد حسن البنا، وطالع كثيراً الظلال، اذ اعتاد ان يستشهد بنصوصه في كثير من الدروس بين الشباب، سخّر امكانياته كافة للدعوة من المال والجهد والوقت بثغر باسم ونفس مطمئنة.

كان مميزاً يحبه الجميع من اول وهلة، يعطي الكثير من وقته لاخوانه ومحبيه يستطلع مشاكلهم واحتياجاتهم ويقدم افضل الخدمات، حتى ان تلامذته كانوا يتناوبون عليه بعد درس الاسرة التربوية ويمتد به المقام الى وقت متاخر وهو على طبيعته من الابتسامة والانصات الى حديث الاخرين.

كان يرحمه الله تعالى يعلم ان التمكين لدين الله عز وجل وتقدم الدعوة لن ياتي الا بالبذل والتضحيات، والركض نحو مواطن العطاء، وان شجرة الاسلام سقيت وعبر سنين طويلة بدماء ابنائها البررة الذين قدموا ارواحهم لاجل ان ترتفع راية الاسلام في ربوع المعمورة.

الحياة في سبيل الله

عرف احمد رحمه الله تعالى بعلو الهمة، وكثرة النشاط وانه حلو المعشر طيب العبارة صاحب دعابة وهو بذلك يتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ” اتق الله حيث ما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن”. رواه الترمذي

مارس نشاطا في مجال الدورات القرانية عدة سنوات وتخرج على يديه عدد من الحفاظ لكتاب الله، ونظرا لخبرته المتميزة في هذا الصدد صار مشرفا – كما اسلفنا –  على دورات القران في مدينة المساجد وهو يقرا قوله تعالى” يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون”.

وبالرغم من تردي الوضع الامني واستهداف العلماء والدعاة وشباب المساجد الا ان ذلك لم يمنعه من مواصلة مشواره الدعوي وحركته بين المجتمع، فقد كان مثالا للشباب الغيور على دينه الحريص على دعوته، حيث اوقف وقته لله تعالى، يتنقل ما بين زيارة وصلة رحم او درس علم او نشاط مسجدي او اجتماع دعوي وكذا المطالعة واعداد البرامج فالوقت كله في سبيل الدعوة لانجاح العمل.

وشهدت له ساحات الجهاد صولات في سبيل الله وقد اصيب في معركة الفلوجة الاولى وقطع احد اصابع رجله، فكان يخفي الموضع عن اعين الناس خشية الرياء وطمعا فيما عند الله من الثواب والنعيم.

اعلامي متميز

عمل احمد مسؤولا في التنسيق والادارة لفرقة صوت الحق للنشيد الاسلامي ووصفه احد اعضائها بالاب الروحي للفرقة، حيث اصدرت هذه الفرقة ثلاث البومات انشادية وشاركت في العديد من الاحتفالات والمهرجانات الدعوية.

ولان هاجسه التميز فقد بادر الى تسجيل البوم رائع اسماه فلوجة العز، تولى بنفسه مهمة الكتابة والاشراف والاخراج، واشرك فيه العديد من العلماء والشعراء والمثقفين في المدينة، صور ما حصل للفلوجة من جرائم وانتهاكات حتى تبقى حاضرة في اذهان الاجيال القادمة، وفي الوقت ذاته سجل افضل السبق في الدفاع عن مدينته التي ظل وفيا لها حتى غادرها شهيدا تزفه دعوات المؤمنين.

ظهرت قدراته الاعلامية في البرامج الاذاعية عبر اذاعة ام القرى بشكل واضح، فكان اول ظهور له من خلال برنامج رسائل محبة يطل فيه على المستمعين يوميا بصوته الندي واطلالته الخفيفة يبث من خلالها السرور والسكينة في قلوب المستمعين.

ثم تتابعت بعدا برامجه ومنها معارك وغزوات، وبرنامج حديث الروح، واحباب المصطفى الذي كان يبث علىالهواء مباشرة.

اليوم الاخير

الاثنين 2/4/2007 صلى الشهيد الظهر في احد المساجد والتقى احد اخوانه وعرض عليه اعادة النشاط في هذا المسجد، لكن هذا الاخ طلب من ان يتأنى ويؤجل هذا الموضوع حتى تتحسن الاوضاع الامنية، فاجابه يرحمه الل بثقة وثبات ان الظرف الامني سئ ولكن ماذا ان لم يتغير هذا الوضع؟ فهل نترك العمل ونتوقف عن الدعوة الى الله؟ فاتفقا على موعد قريب من اجل اعادة العمل في المسجد.

ومما يذكر ان الشهيد كان في هذا اليوم نشيطا خفيف الظل مليئا بالحيوية ومن الغريب انه قدم للصلاة اماما في ذلك اليوم وهو اصغر الموجودين فكان خلفه والده واخوه الاكبر وبعض من شيوخه واساتذته، لتكون اخر صلاة له في هذه الدنيا.

حيث اغتالته الايادي الاثمة والمجرمة قبيل صلاة المغرب حينما كان برفقة والده في سوق الفلوجة، لترتفع روحه الزكية الى بارئها فور وقوع الحادث ولتختضب ثيابه البيضاء بدمه المهراق وليختلط عطره بعبق الجنان.

وفي صباح اليوم التالي من استشهاده كان المستمعون يتصلون بالاذاعة وهم يبكون على فراقه وهم لا يعرفون عنه الا صوته، فكيف بمن رافقه وعاشره واحبه.

فرحمك الله يا ابا اساور وجمعنا بك في فردوسه الاعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن اولئك رفيقا.

 

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here