الاختطاف الفكري

0
1478

بقلم د. عبد الرحمن الحرمي

كلمة اختطاف تصعق القلب قبل إيذاء الآذان، وهي تختزل أسوأ خبر قد يسمعه الإنسان في حياته، كيف لو كان هذا الاختطاف لطفله الصغير الذي لا يدرك من الحياة شيئاً. هذا باختصار الاختطاف الجسدي لأغلى ما نملك. ولكن حديثي معكم ليس عن هذا النوع من الاختطاف، بل هو ما سأسميه بـ ” الاختطاف الفكري والثقافي واختطاف الهوية”.

إن المعركة اليوم قائمة على أهم وأخطر شريحتين في المجتمع، وهما المرأة والطفل. ففي الجبهة الأولى جبهة المرأة، قد حقق الأعداء فيها انتصاراً لا بأس به. وأما الجبهة الثانية، وهي لا تبتعد عن الأولى من ناحية المكان والنتيجة، فهما منفصلتان شكلاً ولكنهما متداخلتان مضموناً، ولكن في النهاية جهة واحدة هي التي ستدفع الفاتورة بالكامل. إنّ غض الطرف عن حريق يشب في بيتك لهو الكارثة بعينها، كيف إذا كان الحريق يشب في جسدك مباشرة، هل هناك من مساحة للانتظار والتسويف؟ إن المصيبة التي أراها في هذا الاختطاف أننا نحن من يساهم في إيصال الخاطف بالمخطوف وتهيئة الأجواء التي تساعد على صناعة عملية الخطف. إننا في كثير من الأحيان نتوقع أننا نعي الصورة كاملة، ونبني على هذا التوقع أموراً كثيرة نكتشف بعد فوات الأوان أن الصورة لم تكن كما كنا نتوقع؛ فهي في غاية السوء، والسبب في ذلك أننا نعيش في ظروف معتمة تضعف فيها الرؤية وينخفض فيها التواصل. قديماً كان القرب الجسدي مؤشراً واضحاً على القرب الروحي والعاطفي والاجتماعي. أما اليوم، فإن الأمور لم تعد كما كانت. فلعل ابني ينام معي تحت سقف واحد ويأكل معي على مائدة واحدة ويصلي معي في مسجد واحد، ولكن مشاعره الدينية وانتماؤه الأسري وهويته الوطنية مغيبة عما أراه أنا كصورة اعتقدتها أنا أنها متكاملة. أما عن حقيقتها، ففي الغالب أنها مشوهة بسبب عملية الاختطاف.

ولكن السؤال الجوهري في هذا المحور، وهو كيف خُطفت ثقافة ابنك وهويته وانتماؤه وفكره منك؟ ومن الذي خطفه؟ لعل الأقرب إلى هذه الإجابة هو الأب والأم؛ لأنهما كانا حارسين على هذه الهدية السماوية، وهما من فتح إحدى النوافذ لدخول الخاطف، ولم يكونا قد سلّحا ابنيهما بسلاح قادر على رد هذا الخاطف. والأمر الآخر أنهما لم يكونا بالقرب منه حتى يدافعا عنه في وقت الحاجة.

فلو قمت بزيارة إحدى المؤسسات العقابية للمراهقين، ستستمع إلى أن أغلب الأسباب تعود إلى انشغال الآباء والأمهات عن أطفالهم في الفترة التي كانوا أحوج إليهم من صديق سوء احتواهم ووجّههم إلى طريق الشر، بل إنه من المؤسف أن ترى أحد الأبناء في سن المراهقة وتسأله أسئلة بديهية -سواء في الدين أو الثقافة العامة- وتجده لا يجيب، ولكن لو سألته عن المطرب أو اللاعب أو الممثل يجاوبك بكل طلاقة. إذن، علينا أن ندرك أننا نواجه خطراً حقيقياً لا نعي مدى تأثيره على أبنائنا إلا بعد فوات الأوان.

لقد اهتم الإسلام بالأبناء في كل مراحل حياتهم؛ أجنّة، ورضّعاً، وصبياناً، ويافعين، إلى أن يصلوا إلى مرحلة الرجولة والأنوثة، بل اهتم الإسلام بهم قبل أن يكونوا أجنّة في بطون أمهاتهم.

المصدر: جريدة العرب

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here