بلاد الرافدين بلا رافدين

0
1600
Iraqi men move a boat that was stuck on the banks of the Euphrates river in Twairij, roughly 20 kilometres east of Karbala, due to a decline in the water level after supplies were blocked by anti-government fighters who control access to a dam further upstream in conflict-hit Anbar province on April 8, 2014. Militants have held control of Fallujah, a short drive from Baghdad, and other pockets of territory for several months, the first time insurgents have exercised such open control in major cities since the peak of the insurgency that followed the US-led invasion of 2003. AFP PHOTO / MOHAMMED SAWAF (Photo credit should read MOHAMMED SAWAF/AFP/Getty Images)

رافق اسما النهرين الخالدين دجلة والفرات، اسم العراق، حتى بات يُعرف من قبل العرب والاعاجم منذ قديم الزمان حتى زماننا هذا، باسمه المحبب على كل من عاش ويعيش فيه، بلاد الرافدين. وبالرغم من المحن التي مر بها هذا  البلد على طول تاريخه، بقيَّ هاذان النهران يفيضان بالخير على هذا البلد، وكانا سب دخله الرئيسي ولحد وقت قريب، قبل اكتشاف النفط، فالعراق بالأساس بلد زراعي بالمقام الأول.

في الأيام الأخيرة تعالت الأصوات محذرةً من ان احد هذين النهرين وهو نهر دجلة ربما سيصبح في خبر كان، بسبب عدد السدود الكبير التي أنشأت على مجراه الرئيسي في تركيا، أو على روافده القادمة من إيران. والذي فاقم تلك المخاوف وجعل الناس يتوجسون خيفة مما ستسفر عنه الأمور، هو ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من صور مأساوية يظهر فيها نهر دجلة وقد جفت مياهه، وتظهر على ضفتيه مناظر الاطلال والخراب التي خلفتها الحروب الداخلية التي لا تكاد تنتهي. وكأن جفاف النهر جاء تعبيراً عن حالة الحزن والاسى التي يعيشها العراق بالوقت الذي يعيش كثير من أهله في مخيمات النزوح، بعد ان دمرت مدنهم وقراهم، منظر يؤلم كل ذي قلب حي ويؤذي كل من ذاق طيبة هذه الأرض المعطاء وشرب من مياهها العذبة.

أسباب الأزمة

يعود سبب انخفاض المياه في نهر دجلة، إلى بدء تشغيل السد التركي العملاق “إليسو” والذي يحتاج لملأ خزانه المائي إلى موسمين أو ربما لثلاث مواسم، ليبلغ حده الأقصى، وبالرغم من ان الجانب التركي قد قدم معلومات كاملة عن طبيعة هذا السد وما يتطلبه من مياه لملئه، إلا ان الجانب العراقي لم يأخذ التدابير الواجبة للتقليل من الاثار السلبية لتشغيل هذا السد، سوى انه طلب من الجانب التركي تأجيل البدء في ملئ الخزان المائي، من شهر أذار الى نهاية الشهر الجاري. لكن الفترة التي طلبها الجانب العراقي لم يستثمرها بشكل صحيح في ملئ خزانات العراق العظمى بالمياه المتدفقة من نهر دجلة، بسبب سوء الإدارة، والانشغال في التحضير للانتخابات النيابية، بل ان التأجيل بحد ذاته كان السبب الرئيسي في تفاقم الأزمة الاقتصادية والانسانية، في الوقت الذي لم تأثر فيه الأزمة على وقائع الانتخابات التي أجريت بنفس فترة المهلة التي طلبها العراق. وهو ما يثير علامات الاستفهام حول سبب طلب التأجيل من موسم الفيضانات إلى شهر 6 حيث شحة المياه المعروفة في هذه الفترة؟!.

سوء الإدارة في مؤسسة الحكم بالعراق يقف وراء التدهور المائي الذي يعيشه البلد، ولم تقتصر الازمة على الجار التركي، بل تعدته للجار الإيراني، الذي لم تسعى الحكومة إلى عقد اية اتفاقية مائية مع طهران، كما هو الحال مع تركيا، ليمكن من خلالها محاسبة الجانب الإيراني على تجاوزاته على المياه العراقية، حيث قام بتحويل مسار العديد من الروافد والجداول المائية الى داخل أراضي إيران وحرمان العراق منها. بل جعل من الامر حقاً من حقوقه دون إجراء أية مشاورات مع الجانب العراقي.

ومن هنا نرى ان الحالة المأساوية التي يعيشها العراق، في كثير من جوانبها يعود السبب فيها، إلى ان الحكومات العراقية المتعاقبة لم تكن بمستوى التحدي الذي تواجهه، وكان أمامها خيارات عديدة للحيلولة دون دخول العراق إلى هذا الوضع المأساوي أو على الأقل الحد من أثاره الجانبية على المواطن العراقي والمجتمع العراقي بشكل عام.

أفكار وحلول

لكن، ماهي الحلول التي كان بإمكان العراق اتخاذها مبكرا إزاء المشكلة المائية؟ وما هي الحلول التي يجب ان يتخذها العراق عاجلًا للخروج من المأزق الحالي؟ ان من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات العراقية بعد 2003 هو إهمالها المتعمد أو غير المتعمد لسياسة مائية رشيدة تستطيع فيها إدارة تلك الموارد بشكل صحيح، وعلى عكس ما كان يتوجب على تلك الحكومات، فهي انشغلت في إدارة الحروب الداخلية والنزاعات الإقليمية، والاسراف بموارد الدولة على مصراعيها لشراء الولاءات، حتى بددت جميع موارد العراق الواردة من بيع النفط الخام. وكان بالإمكان بدلًا من هذا، تسخير تلك الموارد لبناء البنية التحتية اللازمة للمحافظة على كل قطرة ماء يجود الله بها على العراق. من مثل بناء سدود جديدة وصيانة السدود الحالية، بدلاً من تذهب مياه الامطار ومياه الأنهار سدى إلى مياه الخليج المالحة.

أما عن الحلول العاجلة فأن بالإمكان الاستفادة من المياه الميتة التي تكون في الخزانات الكبرى في البحيرات العراقية العظيمة مثل الثرثار والرزازة والحبانية وغيرها، والتي تكون تحت مستوى تصريف المياه الاعتيادي، وذلك من خلال نصب مضخات مياه عملاقة تسحب تلك المياه وتصبها في نهر دجلة أو في نهر الفرات.

تبقى مشكلة عظيمة لدى العراق تتمثل في ان جميع المياه التي تأتي للعراق يكون مصيرها هو في شط العراق، والذي يصب مياهه والتي تقدر بمليارات الأمتار المكعبة من المياه إلى الخليج العربي، هدرا بدون أية فائدة. يجب حل تلك المشكلة من خلال حلول هندسية ذكية تحول دون وصول مياه شط العرب العذبة الى مياه الخليج المالحة، وهذه العملية ليست مستحيلة على المهندسين والمختصين في إدارة المشاريع المائية.

اما ما يتعلق في وصول السفن من خلال نهر شط العرب الى موانئها داخل الأراضي العراقية، فمن الممكن حل هذا الموضوع بإنشاء قناة بحرية داخل الأراضي العراقية تكون مياهها من مياه الخليج بدلاً من ان تكون من مياه شط العرب العذبة، لتسهل عملية دخول السفن التجارية.

هذه الحلول وغيرها من الحلول التي يمكن ان يجود بها علينا مهندسينا ذوي الخبرة، سوف تحول دون دخول العراق مرحلة الجفاف، والحيلولة دون تحويل العراق من بلاد الرافدين الى بلاد بلا رافدين. لكن اذا استمر الحال على ما هو عليه الان لربما يأتي زمان على العراق سوف يعتمد على دول الجوار في تحصيل ماء شربه.

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here