الــهُــوِيّــة

0
985

حركة العدل والإحسان – مكتب الفكر

تمهيد :

هذا المصطلح حادث مجمل المعنى ، لا يمكن الحكم عليه أو التعامل معه مادام على إجماله ؛ لذا لا بد من تفكيكه الى عناصره الأساسية ، ثم الحكم عليه .

 يعود أصل المصطلح الى :

  1. هوى – يهوى : أي أحب .
  2. هوى – يهوي : أي سقط من علو الى أسفل أو انحدر .
  3. الضمير ( هو ) : أي حقيقة الشيء التي تميزه عن غيره .

ومن مجموع هذه الأصول يمكن أن يكون المصطلح معبرا عن عامل الحب والجذب والانحدار ( الميل ) الى الشيء ومعرفا بحقيقته وصفاته الذاتية التي تميزه عن غيره .

 

الصبغة :

ولعل أقرب مصطلح شرعي يعبر عن هذا المفهوم هو ” الصبغة ” الوارد في قوله تعالى ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ) .. قال المفسرون : صبغة الله أي دين الله ، وهو الاسلام ، [ وإنما سماه صبغة لأنه يظهر أثر الدين على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب ، وهي أثر من آثار الطهارة والصلاة والعبادة ( سيماهم في وجوههم)] .

فالمقصود بالصبغة الهوية ، والهوية هي الاسلام الذي ينبغي أن يصبغ الفرد بصبغة متميزة في عقيدته ومشاعره وفكره وأهدافه وتصوراته وآماله وسلوكه وأعماله .

وهذا المصطلح ” الصبغة ” ينبغي التسويق له وتداوله في المجتمع المسلم فيكون مألوفا  ليحل محل ( الهوية ) من باب إشاعة استعمال المصطلحات الشرعية . وهذا لا يعني إلغاء أو رفض مصطلح ( الهوية ) ، بل إن استعماله الواسع في البحوث والدراسات هو المعتمد حاليا ، فلا مندوحة من التعامل به .

 

تعريف المفهوم :

الهوية : هي مجموعة العقائد والمبادئ والخصائص والسمات والترميزات التي تعبر عن كيان ينصهر فيه افراد منسجمون  بتأثير هذه الميزات والخصائص ، وتسهم في الحفاظ على وجودها من تحديات التشتت والتفكك والإقصاء.

لكل أمة هوية تحدد مكوناتها وملامحها ووظيفتها ورسالتها وتعبر عن عمق شعور أفرادها بها ، والوعي بالأسباب المبررة لوجودها أو الجامعة لصفاتها .

فهوية الأمة : هي إخبار عن حقيقتها وصفاتها الذاتية المميزة لها كما انها عامل جذب تجتمع الأمة حوله. ولكي يتحقق  وصف الهوية التي تجمع الأمة وتوحدها لابد لتلك الهوية أن تكون واحدة وقوية ومتميزة

 

مكونات الهوية :

إن تحديد هوية مجتمع ما يقتضي العودة إلى جملة من العناصر التي يمكن توصيفها بعناصر مادية وتاريخية وثقافية ونفسية واجتماعية ، ويمكن تصنيفها الى :

  1. عناصر : وهي مقومات الهوية المادية والتاريخية والثقافية والنفسية والاجتماعية ، وتتضمن : الدين ، القيم ، الفكر ، العرق ، الجغرافية ، اللغة ، الحضارة ، التاريخ ، الثقافة ، الانتماء ، وبالولاء  ، ومواجهة التحديات ، والتعايش المشترك.
  2. مظاهر يصطبغ بها المجتمع أو الأمة وتتضمن : الازياء ، الطعام ، الفن ، الأدب ، العمران ، المصطلحات ، العادات والأعراف ، طبيعة العلاقات ..

وللروافد التاريخية والجغرافية واللغوية والجمالية والثقافية المختلفة دور مهم في بناء الهوية وتمكين أصحابها من وعي ذاتهم ، ووجوه المفارقة التي تميزهم عن غيرهم . [ تجديد الوعي – د . البكار / ص 70 ] .

 

 

الهوية الاسلامية :

يدور معنى الهوية ( أو الصبغة ) الاسلامية نحو التميز الأبرز للأمة ، فالإسلام بعقائده وأركانه وأحكامه القطعية يشكل الأساس للهوية الاسلامية ، كما يشكل الإطار العام لحدود تجديد الهوية وإعادة انتاجها ،  ويتمثل ذلك بالنسبة للأمة الاسلامية بما يأتي :

  1. الوسطية .
  2. الدعوة الى الخير .
  3. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
  4. الايمان بالله .

 

أهمية الوعي بالهوية :

إن الوعي بالهوية ذو أهمية بالغة في حياة الأمة وشهودها الحضاري :

  1. فتعرف الأمم والأفراد على هويتهم الخاصة يعني وعيهم بذاتهم ، ويساعد على تحديد أهدافهم وبلورة مشكلاتهم . كما يحدد موقعهم بين الأمم .
  2. يضفي قوة على النسيج المجتمعي المتمثل بالتعاون على البر والتقوى .
  3. ويعمل الاعتزاز بالهوية على استثارة عوامل النهضة في ميادين العلم والمعرفة ، والاقتصاد ، والإبداع ، والتطوير والترقي الحضاري .

 

 دعائم المفهوم :

يقوم مفهوم الصبغة ( الهوية ) على دعائم أهمها :

  1. الولاء : ويعني المحبة والمودة والقرب ، وهو من اعمال القلوب ولكن تظهر مقتضياته على اللسان والجوارح ، كالنصرة والأنس والمعاونة .
  2. الانتماء : وهو الارتباط بالكيان ، وبترسيخ مفهومه عند الأفراد والجماعات تتعزز الهوية .
  3. الاخوة : أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة ، فهي أوثق الروابط وأعلاها .
  4. الشعور بالتميز والاستقلالية : فقد حرم الاسلام كل اشكال التبعية لغير المسلمين ، وهذا لا يعني حرمة الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم الناجحة .

 

المحافظة على الهوية : من خلال

  1. العقيدة الصحيحة والشعائر الاسلامية : متمثلة بالإيمان بعقيدة الأمة والإعتزاز بالإنتماء اليها وإبراز الشعائر الاسلامية والتمسك بها .
  2. احترام قيمها الحضارية والثقافية : الوسطية ، الدعوة الى الخير ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحلي بالأخلاق السامية
  3. استعادة ذاكرة التاريخ للوقوف على تاريخ الحضارة الاسلامية والمفاخرة بصفحاته المشرقة .
  4. تطوير المعارف والمحافظة على اللغة العربية .
  5. التحذير من التشبه بالمشركين ( من تشبه بقوم فهو منهم ) .
  6. التحذير من مخططات التشويه والطمس : المتمثلة بالغزو الفكري ، وتقليد المحتل ، والإغراء بالنماذج الشاذة .
  7. الاستعانة بإعلام اسلامي متخصص ومساير للعصر ولروح الشريعة .

 

أزمة الهوية :

يقول الدكتور عبدالكريم البكار :

[ إذا لمحنا في هويتنا الاسلامية أثر الأصول والثوابت الاسلامية ، ولمحنا اثر الجهد البشري في إبداع الصيغ الجديدة لتجليات الهوية ، استطعنا القول : إن تهميش الثقافة الاسلامية الأصيلة في كثير من بلاد المسلمين أدى الى ضعف إحساس الأجيال الجديدة بهويتهم ، واضعف حساسياتهم تجاه الوافدات الجديدة ، مما سهل على القوى الثقافية القاهرة اختراق العديد من جوانب ثقافتنا ، وجعل الشعور بخصوصيتنا الثقافية موضع تساؤل .

 ومن وجه آخر ، فإن دخول الأمة في مرحلة التراجع الحضاري سوف يعني الكف عن تجديد الهوية وبعثها وإعادة انتاجها ، مما يحولها الى اشياء يتم تلقينها للناس دون ان تعني لهم الكثير ، فهي لا تحركهم الى خير ، ولا تردعهم عن شر .. وبذلك تتحول الى عبء على الذاكرة ] . تجديد الوعي / ص 73 .

 

الأسباب :

ولأزمة الهوية أسباب رئيسة ، تكاد تنحصر في محورين أساسيين هما :

  1. حين تشعر الأمة بوجود هوة كبيرة فاصلة بين قيمها وسلوكها ( الفجوة بين المثال والواقع ) .
  2. حين تقارن الأمة حالها بحال غيرها من الأمم .

الحل :

 إن الهوية بحاجة الى تجديد مستمر يبلور مفرداتها ويدفعها نحو التجسيد والتحقق بما يضفي عليها من خصوصية مشاعر الأمة ومفاهيمها .

إن حل أزمة الهوية لا يكون إلا من خلال :

  1. إعادة تنظيم حياتنا الشعورية والأخلاقية والعقلية في ضوء ثوابت المنهج الاسلامي الأقوم .
  2. تحقيق درجة من الندية للأمم الأخرى في مجالات الانتاج الحضاري كافة .

ومن غير هذا وذاك ستكون الشكوى من تأزم الهوية مضيعة للوقت والجهد . [ تجديد الوعي / ص 75 ] .

 

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here