د. سعد الكبيسي
النصوص الشرعية مثل الادوية العلاجية، تشبهها من حيث الهدف والكم والنوع والملائمة والضرورة والمعرفة.
فكما تحتاج الأدوية العلاجية إلى طبيب ماهر يصف نوع الدواء وجرعته ومدته وآثاره واهدافه، تحتاج النصوص إلى فقيه حاذق وداعية فطن يصف النص المناسب للواقعة المناسبة في الوقت المناسب للشخص المناسب.
النصوص الشرعية تشبه الأدوية العلاجية من حيث:
أولا: أنهما شفاء ودواء حين تؤخذ بصورة صحيحة من حيث النوع والوقت ورعاية المآل والأثر والانتباه للضرورات.
ثانياً: حين تخلط بين نصين شرعيين دون فقه فإنك قد تخلط المتناقضين او تقدم ما حقه التأخير وتؤخر ما حقه التقديم، وهو كمن يخلط بين دوائين دون معرفة ليحدث التفاعل بينهما فيكون الدواء سما قاتلا للمريض أو تقدم دواء على دواء فيحدث الضرر.
ثالثاً: حين لا تحسن صنعة معرفة تنزيل وتطبيق النص الشرعي على الواقعة أو المستفتي فهو مثله عندما لا تحسن توصيف نوع الدواء لنوع المرض فلا المريض تشافى ولا نجا الدواء من الاتهام بأنه لا يشفي .!!!
رابعاً: يلجأ الطبيب أحيانا لتوصيف دواء فيه مضاعفات وآثار جانبية لوجود ضرورة طبية فيخالف بذلك قواعد الطب في الحالة الطبيعية من حيث اختيار التوقيت ومعرفة الجرعة وحساب الآثار .
وهو مثل مبدأ الضرورات الفقهية حين يخالف الفقيه النص المحرِّم فيفتي بالحل لوجود ضرورة متحققة لكنها تقدر بقدرها ولا تفضي إلى ما هو اكبر منها.
خامساً: الأصل ان الطبيب يشرح للمريض حالته وسبب اختياره للدواء لكن في احيان كثيرة فإن الطبيب لا يشرح للمريض حالته التفصيلية وسبب اختيار الدواء لعدم احتمال عقله ومعرفته لهذه التفاصيل، وهو مبدأ التقليد الفقهي من المستفتي للمفتي ذاته حيث لا وجود لإمكان النظر عند المستفتي في الادلة الشرعية، ومبدأ الداعية في ضرورة عدم تحديث الناس إلا بما يعقلون كما قال علي رضي الله عنه: “حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ“ .
سادساً: إن الوعظ الديني والمطالبة بالمندوبات الشرعية من أناس لا يطيقونها وقد يتركونها جملة كرد فعل، مثل زيادة الجرعات للمريض من الدواء دون حاجة فهي ستؤذيه حتما وربما تقتله،
وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض المسلمين ممن لا يطيقون أن يكتفوا بالفرائض فحسب .
النص دواء، والدواء لأجل الشفاء، والمرضى أحوال مختلفة، والفقيه الحق من عرف النص ومقصده ووقت تنزيله و كيفية تطبيقه، والطبيب الحق من عرف الدواء وغايته وقدره ومدته وآثاره، وكما كان الدواء شفاء للأجساد والأبدان كانت النصوص شفاء للقلوب والعقول والتصرفات.
لنتذوق ونستشعر لذة العافية في قوله تعالى:
“وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا”.
وقوله تعالى:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”.
المصدر: حسابه الشخصي