بقلم: عادل راشد.
مهم جدا أن يكون للمسلم أوراده من ذكر وتسبيح وتحميد وتهليل واستغفار وأدعية وساعات تدبر يخلو الإنسان فيها بربه يناجيه ويسأله ويرجوه ويدعوه.
وكلما كان للمسلم زاد من آثار النبي – صلى الله عليه وسلم- كان أروح للنفس وأرجى للقبول، ومن الأهمية بمكان أن يحرص المسلم على تزكية نفسه وتخليتها من أمراض القلوب وآثار الذنوب وتحليتها بفضائل الأخلاق وجميل الصفات وتنقيتها لتكون الأعمال لوجه الله خالصة.
ويستعين على ذلك بحسن المطالعة واستقطاع أوقات للسماع الهادف، كل ذلك لا غنى عنه للمسلم ولكن بحسبانه دواء من بعض العلل أو منشط للعزائم والهمم أو دافع للإيجابية طارد لحالة الإحباط والعجز والكسل فيأخذ مكانه الطبيعي ومساحته المناسبة.
أما أن تتحول الوسيلة إلى غاية ويتحول الدين إلى أوراد يخيل للبعض أنه إذا أداها المسلم فكأنما قام بحق الله وحق العباد فهذا أمر عجيب.
أقول ذلك بمناسبة هذا الكم الهائل من تبادلٍ عبر وسائل التواصل الإلكتروني (الذي صنعه غيرنا) لأوراد وأذكار وحكايات وطرائف ومدارج للسالكين ونماذج للهالكين والكل يوصي ويؤكد بألا تتوقف الرسالة عند حد المُرسَل إليه بل ينبغي عليه نشرها على أوسع نطاق لينال الثواب العظيم والفضل العميم، وأنه إذا أوقف نشرها أو كف عن إرسالها فربما يناله ما لا يخطر على قلب بشر من الأذى وحلول النقم، سواء في اليقظة أو المنام مما أصبح معلوماً بالضرورة لكل الأنام.
ومن طرائف الرسائل أن تخاطبك بصيغة التأنيث وأنت ذكر أو تُرسل لأنثى باعتبارها – يا للعجب – ذكر، وأحياناً تأتي الرسالة في شهر المحرم ويكون الكلام علي ما ينبغي عليك فعله هذه الليلة من ليالي رمضان، أو فضل عشر ذي الحجة وتأتيك ببراعة في شهر صفر، بخلاف القصص المختلقة والأخبار المفبركة أو إسناد مقالات لصحف لم تتعرض لها أصلاً ولكنها تروق لمروجها، وتأتي رسالة عن حادثة كسوف قمر مضي عليها عام أو يزيد فتقرأها علي نور القمر الساطع، أو خسوف شمس تتواري من شدة حرارتها.
طبعاً هذا لا ينفي ما يرد من كلمات معتبرة ووصايا رائعة ولكنها مكتوبة ومدونة في الكتب، والذي يتبنى إرسالها بنية الفائدة إنما يصد الناس من حيث لا يدري عن البحث والمطالعة ويقتل في نفسه فضلاً عن غيره إعمال ما أعطاه الله من مواهب لو استخدمها لربما أبدع أكثر مما ينقل، ولو كان الأمر مُلِحاً وأبت عليه نفسه إلا النقل فليكن في كل أسبوع مرة.
أما أن يتفرغ – كما حكى لى أحدهم – من بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس-، وربما من بعد صلاة العصر إلي غسق الليل ليرسل عشرين رسالة لكل من ابتلاه الله بصداقته فهذا و أيم الله أمر فوق الاحتمال.
ومن العجيب أنه قد انتقلت العدوى إلى أبناء الحركة الإسلامية وطبعاً مع زيادة البهارات واللمسة الدعوية التي لا تمت للدعوة إلى الله بصلة، وغير خاف على كل مطلع أن كل شيء منقول ليس لأحد فيه تأليف ولا إبداع ولا إعمال لملكات النفس ولا نظرات العقل ويتحول الدواء المنشط إلى مادة مخدرة لأنها لم تقترن على الأقل بذات القدر بنشر أفعال المجاهدين وأعمال المصلحين وأصحاب كلمات الحق وحكايات الإيجابيين الذين يحملون هموم مجتمعاتهم فيعرفون العلل ويحملون الناس على التعافي منها وهم يؤدون أورادهم وأذكارهم لأنهم علموا أنهم بغير حركة لن ينصلح حال الأمة وأيقنوا أنهم لو سبحوا ألف ألف مرة بغير أفعال، ولو دعوا ألف ألف دعاء بدون الأخذ بالأسباب ما رفع ذلك ظلماً عن مظلوم ولا دفع ألماً عن مكلوم ولا رد أعداء الأمة من داخلها وخارجها عن انتهاك حرماتها ومصّ دمائها، والنموذج الذي لا يفارق عيني ولا يغيب عني هو لسيد الخلق محمد بن عبدالله –عليه الصلاة والسلام- عندما أتاه جبريل –عليه السلام- للمرة الأولى في الغار وهو يتعبد وذهب (صلى الله عليه وسلم) لخديجة –رضي الله عنها- قائلا: “زملوني زملوني”، فقالت: “والله ما يخزيك الله أبدا” … لماذا؟ لم تقل لأنك تتعبد الليالي ذوات العدد بالغار ولا لأنك تكثر من الانقطاع والتبتل، رغم وجود كل ذلك، وأهمية العبادة لكل صاحب دعوة، وإنما قالت:” إنك تصل الرحم، وتُقري الضيف، وتحمل الكلّ، وتُكسِبُ المعدوم، وتعين على نوائب الحق”، كأنما قالت له: “والله ما يخزيك الله أبدا لأنك أصلح رجل في مجتمعك لمجتمعك”.
لله درك يا أم المؤمنين، كم أتمنى أن أراكِ بعد أن تكتحل عيناي بسيد العابدين والذاكرين والعاملين والمصلحين والمجاهدين.
والذي أُوجز فيه القول (كان قرآناً يمشي علي الأرض)..
المصدر: عربي21 .