بقلم: د. ســعد الكبيسي
من مظاهر عظمة الاسلام هو شموليته لنواحي الحياة كافة، ومن مظاهر عظمته ايضا أنه خص كل ناحية بأحكام خاصة بها تتكامل مع غيرها ضمن منظومة الاحكام الشاملة، ومن ذلك أحكام التربية والصلاح وأحكام الادارة والسياسة .
تعتمد صناعة الصلاح على الأدوات الناعمة من توعية وتثقيف واعلام ومعايشة وعلى قبول المتلقين وتفاعلهم فهي لا تراعي التنوع دائماً. ونشر منظومة المثل والقيم و تهدف صناعة الصلاح الى بناء ساسة صالحين من الرموز المجتمعية والدينية.
كذلك تعتمد صناعة الصلاح على منظومة معقدة من مخاطبة العقل والقلب وتهذيب الغرائز وعلى الانتقاء في الخطاب والمستهدف. و تحقيق التغيير الذاتي والمجتمعي. ويكون نجاح صناعة الصلاح مرهون بمقدار تحريك الناس نحو المُثل والقيم العليا.
بينما تعتمد صناعة السياسة على الأدوات الناعمة والصلبة مثل القوة والمال والتحالفات. وعلى مراعاة التنوع وتلبية الحاجات ورعاية المصالح للجميع.
وتهدف صناعة السياسة إلى حماية الصلاح وتوفير أجوائه ومقومات نجاحه. وتعتمد على الرموز التخصصية والخبرات القيادية. وعلى منظومة معقدة من تحقيق المصالح والتحالفات الداخلية وإدارة الأزمات. وعلى شمولية الخطاب والمستهدف.
أن قواعد الشريعة ومبادئها وأهدافها العامة تحكم الصناعتين الصلاح والسياسة، فبناء الفرد والأسرة والمجتمع والدولة هو هدف الصناعتين في شريعتنا لكنها تفرّق بينهما من حيث المسؤولية والكفاءة، فمن يصلح للصلاح قد لا يصلح للسياسة والعكس وكلما اتسعت دائرة المخاطبين وكبر أثر العمل كان أكبر من حيث المسؤولية والمحاسبة.
وثمرة التفريق بين الصناعتين هو البيان أن اصلهما واحد فالشريعة تريد صلاحا يحكم السياسة وسياسة تدعو وتحمي الصلاح والاصلاح فهي بعضها من بعض لكن التفريق يقع في الاهداف والقدرات والمجال والسياسات والامكانات والوسائل والخطاب والمستهدف.
فالصناعتان واحدة من حيث المبادئ الشرعية الحاكمة لكنها مختلفة من حيث التخصص والأداء ومعرفة هذه الفروق تحقق التكامل الناجح بينهما.
والخلاصة إن صناعة التربية والصلاح والإصلاح للمجتمعات تختلف عن صناعة إدارتها وقيادتها وسياستها مع أن كليهما ضمن منظومة الشريعة الشاملة.