المولد والنشأة:
ولد عام 1971 في مستشفى مدينة الطب بجانب الرصافة من بغداد، وينحدر نسبه من فخذ المراشدة من عشيرة الجنابيين، وتسلسله في العائلة اخر الاولاد من الذكور والاناث.
نشأ وسط ابوين كريمين، وورث عن اهله عزة النفس وقوة العزم والصبر واحتمال المكاره، ولقد هيأ الله لهذه السجايا الموروثة ان تنمو وأن تتقوى، اذ امدها بالجو النفسي الذي تتنفس فيه وتتغذى من طيب هوائه، وصقلها بالتجارب التي جلت الصدأ ثم هداها الى الاستقرار النفسي والفكري.
فلم يكد يرى الوجود على حقيقته حتى رأى انه وحيد فيه، فقد فقد اياه ورعته امه، وما كاد يثبت حتى فقد والدته، فعاش معنى اليتم الذي اثر على حياته في قابل الايام، وقد صدق من قال: ان هنالك خمسة امور تؤدي الى المععالي، وهي: شرف النسب والحسب، واليتم الذي ينشئه منذ فجر الصبا معتمدا على نفسه وتدبيره وبلائه، وحال من الفقر غير المدقع، لا تضام ولا تهاب بطراوة الترف ولا يذلها الفقر ثم قناعة وانطلاق الى العلا الفكري بتقوى الله سبحانه وتعالى وعدم الشعور بقوة لسواه، واخيرا العقل المزدان بالتقوى والمتسلح بالذكاء والالمعية.
اساتذته الكبار:
في حياة الشيخ الكثير من الاساتذة مهم د. طه حامد، والشيخ سامي الجنابي، ود. يونس الجنابي، ود. شاكر الجنابي، ولكن يبقى الاستاذ المهندس اياد العزي رحمه الله في ذروة هؤلاء، فقد زرع في نفسه حب الدعوة الى الله والتضحية من اجلها، وعلمه كيف يكون الكرم وانه خصلة من خصال الشجعان، وكيف يدخل الى قلوب اصحابه، وزرع في نفسه الثقة والقدرة والمطاولة والاصرار.
هذه الصفات وهذه الخصال التي اخذها عن شيخه العزي الذي قلما يجود بمثله الزمان نقلها الى اصحابه واحبابه، فرحم الله الشهيدين الاساذ والتلميذ واسكنهما فسيح جناته.
طريق الدعوة:
يحدثنا الاخ حسين محسن الذي كان سببا في هداية الشهيد علاء رحمه الله سنة 1989 قائلاً: ( عندما كنا في المرحلة الثانية – معهد اعداد المعلمين، كنا نؤجر سيارة تاخذنا الى المعهد، ثم بعد انتهاء الدراسة تنقلنا الى البيت، وكنا نصل يوميا مع اذان العصر تقريبا، وكنت الوحيد الذي ينزل قرب جامع المحمودية الكبير، وعندما يسالني الشهيد (علاء) او احد الطلاب الى اين: اخبرهم باني اصلي العصر في الجامع، وكان يؤلمني ان انزل وحدي، وكنت اقول للشهيد لم لا تنزل معي نصلي معاً؟.. فكان رحمه الله يعتذر لي بانه لا يستطيع، او انه سوف يصلي في البيت، وكنت صبوراً معه، حتى هلّ علينا رمضان الخير، فقلت هي فرصة لدعوة الشباب جميعاً، فسالت علاء يوما: يا علاء اريد ان اسالك وتجيب بصراحة، فقال تفضل. قلت له: هل من سبب يمنعك من الصلاة في المسجد؟ فقال: لا. وفي هذه الاثناء ونحن نقترب من الجامع الكبير، واذان العصر يرتفع، فقلت: اذن ننزل معا نصلي ، فوافق، ثم اتفقنا ان يكون الافطار عند احد الطلاب لكل يوم، من باب التعارف وتقوية الاخوة، فكان هذا بداية الطريق للشهيد الذي عرف بانه اجتماعي، وله قابلية في تكوين العلاقات السريعة، وكان بالمسجد الكبير حينها الحجي خضير والشيخ يونس، وبما انهما من عشيرة الشهيد وكانا مسؤولين عن الجامع فالتعرف اليهما اسهل من غيرهما، مع العلم انه في هذه السنة 1989 كان بداية الصحوة لشباب العراق انذاك، وكان الكثير من الشباب يلتقون بالمسجد ويتهادون الكتب والمصاحف وبعض المحاضرات المسجلة بالكاسيتات، فكان انتقال الشهيد علاء سريع جدا مع هذه الاجواء الايمانية).
من هنا كان المنطلق، ومنها بدأت معه الدعوة الى الله عز وجل. وتحدثنا ابتسام ( ام عاتكة) ابنه اخيه واخته من الرضاعة عن هذه المرحلة: بدأ رحمه الله يحفظ سورتي البقرة وال عمران فكنت استمع له ويستمع لي، وكنا لا ننام بعد الفجر، وكان يحدثني على الدعوة، وياخذني معه الى بيوت الاخوات كي ادعوهن واتعايش معهن.
بين الدعوة العامة والتربية:
كم من الدعاة اعتمد على الدعوة الجماهيرية، وحالما مات او تغيب عن الساحة نسته الجماهير، او اصبح مجرد ذكرى طيبة، وكم من الدعاة ركزوا على الدعوة الفردية وتربية الاسر، وحرم عموم الناس من دعوته وبقي يعمل داخل الغرف المغلقة، الا ان علاء جمع بين الامرين، فهر في دعوته العامة في الاسواق والملاعب والمساجد مع علاقاته المميزة مع وجهاء وشيوخ المساجد، وكان ماهرا في نقل الافراد من الدعوة العامة الى الخاصة، فقد كان لديه العديد من الحواضر في الوقت الواحد، وكان يتابع كل اخ من حيث قراءته وتحركاته والزامه، بل وحتى حالته الصحية والمادية، ولذلك استطاع ان ينتج العشرات من الرجال الذين ما زالوا الى الان يعملون على العهد واجرهم يصل اليه وهو في قبره، فهو لم يكن ماهرا في تاليف الكتب، ولكنه كان ماهرا جدا في صناعة الرجال..
الكتمان والعمل الهادئ
مع التوكل العالي له, كان لديه حس امني عال جدا, فهو كان يفرق بين علنية الدعوة وضرورة إشهارها وبين كتمان التنظيم وضرورة إخفائه في زمن النظام السابق, وكان دوما يحمل في يده بعض الكتيبات في كيس اسود كي يوصلها للشباب الجدد وكذلك في جيبه بعض الأشرطة الصوتية المختارة, وقد كان يطعن به أحيانا ويظن به السوء ولكنه يؤثر الكتمان عن الدفاع عن نفسه من اجل المحافظة على العمل وعدم تعريضه الى نكسات قد تؤدي به قبل الوقت الصحيح.
المتابعة الأمنية
فترة التسعينات من القرن الماضي كانت الصحوة الإسلامية في أوج ازدهارها , وكانت هناك حركة واسعة للشباب الإسلامي ولذا كانت السلطات انذاك مراقبة ومتيقظة , وكان للأخ علاء ملف خاص لشهرته الواسعة في الدعوة داخل المحمودية وكان الأمن يطلب ملاقاته بين فترة وأخرى، وعندما تصل اليه الانباء ياتيه بانه مراقب وعليه ان ياخذ حذره، وكنا نظن ان مثل هذه الاخبار ستوقف عمله، لكننا كنا نرى منه عدم المبالاة ويقول: الله الحافظ.
الإبداع في الدعوة
كانت المشاورة الكثيرة مع الإقدام العالي سببا في رعايته للعديد من الأعمال المبدعة, فقد كان يجمعنا كل فترة ويعيد علينا ضرورة رفع الهمة وتوسيع العمل ويطلب المقترحات ويسجلها ويتفاعل معها ويبدي الاستعداد التام في انجازها, فقد اشرف على العديد من المسابقات والاحتفالات والدورات والمعارض والزيارات, وقد أعان على إصدار المجلات والنشريات المسجدية, وسعى في فتح المحلات والمكاتب ذات الصبغة الإسلامية وشارك في تكوين المكتبات العامة والخاصة وكلك التسجيلات الإسلامية, وسعى في إقامة الأعراس الإسلامية واشرف على حملات الختان الجماعي, وقد رعى العديد من المشاريع المخصصة للأطفال كالمهرجانات والمسابقات والسفرات وكذلك كان له اليد العليا في إنشاء فرق الأناشيد والفرق المسرحية, وإقامة الدورات الشرعية والتطويرية ودورات التقوية, وكذلك كان له دورا بارزا في تكوين وإدارة الدوريات الكروية والرياضية العامة, كلها في خدمة الدعوة ومحاولة نشرها.
قصة استشهاده:
كما ترويها ابنة اخيه ام عاتكة حيث تقول: في يوم 17/2/2005 قال علاء رحمه الله اريد ان ازور ابا عاتكة في المعتقل، وبعد ان تم الحجز حصلت المقابلة مع ابي عاتكة وفرح برؤية ابي صهيب اكثر من رؤيتنا ورؤية اطفاله، خرجنا من المعتقل وفي قلبه فرحة وحزن، الفرح لانه افرح قلبي برؤية زوجي، وكانت هذه الزيارة الاولى والاخيرة،، والحزن لانه لم يستطع ان يحجز لاخيه احمد وهو يقول: ماذا اقول له حين يعلم بزيارتي لابي عاتكة ولم ازره لحد الان.. كانت امي بانتظارنا في الخارج ففوجئنا بانها حجزت لمواجهة احمد ابي ابو ابراهيم ليزداد فرحنا بذلك وعندما قرر ابو صهيب ان يذهب لرؤية اخيه، قالت امي اريد الذهاب لرؤية ابي ابراهيم، وارادت ام ابراهيم ان تزور زرجها فاخذهم ابو صهيب معه في اليوم التالي للزيارة اي يوم 20/2/2005، فذهبوا وهو فرحان لرؤية اخيه، ولكن شاء الله ان لا يشاهدوا ابا ابراهيم لانه قد نقل الى سجن بوكا قبل يوم من زيارتهم، فعادوا وهم يرددون ” انا لله وانا اليه راجعون”.
في طريق العودة رجع ابو صهيب من نفس الطريق فرأى الامريكان وهم يؤشرون له بان ارجع، ولكنه لم يرهم، لانه كان لا يرى الا صورة اخيه الذي ذهب الى سجن بوكا في البصرة وهو لم يره، فدخل في طريق الخطأ ( تقول ام ابراهيم التي كانت معه لم تبق سيطرة امريكية الا ورمت عليهم النار، فكان الرصاص ياتيهم من كل مكان، واول ضربة جاءت برأس ابي صهيب ففقد وعيه، وثقلت قدماه على البانزين فاصبحت السيارة تمشي بلا سائق، فكان الرصاص ياتي من كل جهة، لهذا كانت اصابة امي بليغة استشهدت على اثرها، فقامت ام ابراهيم باخراج المنديل ولوحت لهم من نافذة السيارة، فاوقفوا الرمي وجاؤوا لهم مسرعين فوجدوا ابا صهيب وهو مغطى بدمه، فاخذوه بالطائرة وادخلوه الى غرفة العمليات، ولكن كانت اصابته بليغة ففاضت روحه الزكية الى بارئها تشكو ظلم الظالمين).
فاتسشهد يوم 20/2/2005، وبعد ايام استشهدت زوجة اخيه عبد الله واصيب الاخرون، وبدم بارد سلموه الى اهله ولا حول ولا قوة الا بالله.
تغمد الله ابا صهيب بواسع رحمته، واسكنه فسيح جناته، واخلف دعوة الاسلام من يسد مكانه، وكتب لنا المضي في طريقه… آمين.