مكتب الفكر – حركة العدل والإحسان
القسم الثاني : في التربية والتعليم
اولا – في المناهج الدراسية :
شكلت القرون اللاحقة بعد سقوط الاندلس والنهضة الاوربية وسقوط الدولة العثمانية ومرحلة الاستعمار تحديات من نوع اخر . فقد كانت تحديات للمغلوب ازاء الغالب ، وشملت ميادين ونواحي متعددة :
- على مستوى المناهج الدراسية فان ما سمي بحركة الاستكشافات الجغرافية في المناهج المتأخرة ، لم يكن سوى الهجمة المضادة على العالم الاسلامي بعد نكبة الاندلس بقيادة البرتغال متبوعة بإسبانيا . وفاسكودي كاما الذي دار حول رأس الرجاء الصالح ووصل الى الهند كبديل عن طريق الحرير الذي يسيطر عليه المسلمون ، وقام برحلته الثانية ، ولتامين النفوذ البرتغالي في المنطقة ، مارس هو وبحارته أشد عمليات الارهاب للموانئ الاسلامية على طول الساحل الشرقي لأفريقيا . وفي احداها اقدموا على احراق احدى السفن العائدة من مكة المكرمة وابادة المئات على ظهرها وبضمنهم نساء واطفال . وقد عينه الملك جون الثالث نائبا له في الهند . ولم يتوقف هؤلاء الغزاة الهمج ، الذين لم تسلم حتى القطط والكلاب من وحشيتهم حتى بعد هزيمتهم في المعارك البحرية ، فاطلقوا على الساحل العماني اسم ساحل القراصنة (نظير فرية الارهاب المعاصرة ) وذلك في حرب المصطلحات . وماتزال هذه التسمية في الخرائط القديمة للمنطقة . كما ان ” المستكشف الملاح ” ماجلان الذي دار حول الارض كان قائدا برتغاليا في حملة تنصيرية وكان كنظيره فاسكودي كاما يسعى للعثور على طريق بحري للوصول الى الهند الغنية بالتوابل التي كانت تجارتها تعدل تجارة النفط في عصرنا . تصدى له لابولابو السلطان المسلم لجزيرة ماكتان وقتله . وكان ماجلان يعمل لصالح ملك اسبانيا فيليب الثاني ، واطلق اسمه (فيليب) على أرخبيل الجزر المعروفة اليوم بالفليبين مع ان الاسلام وصل تلك البلاد منذ القرن الثالث الهجري كما يذكر الاستاذ (محمود شاكر) .
كنا نسينا ما مضى لكنهم نكأوا الجراح
سموا الحقائق باسمها فالقوم أمرهمُ صراح
- وقد ورد في بعض المقررات الدراسية في احدى الفترات السابقة أيضا : ” سافر محمد وصديقه ابو بكر ( كذا ) من مكة الى المدينة “. ومعلوم الفارق الكبير بين لفظ الهجرة والصحبة ومالها من معان ودلالات من جهة ، والسفرة والصداقة من جهة اخرى . ونستغفر الله ونعتذر من مقام النبي صلى الله عليه وسلم من ايراد مثل هذه السفاهة وان كانت للتحذير .
- القرون الوسطى : وكثيرا ما يشار اليها بأنها العصور المظلمة . إن عصور الظلام الأوروبي التي أطلق عليها وصف ( العصور الوسطى ) هي زمنيا العصور نفسها التي كانت أنوار الحضارة الاسلامية فيها تشرق على العالمين ، ومع ذلك فإن الصورة التي يراد رسمها في الأذهان أن الجهل والتخلف والظلام متلازمة العصور الوسطى ، وتلك صورة مشوهة ولا صلة لها بماضي الأمة الاسلامية وحضارتها ..
ثانيا – إشكال الترجمة :
ويحصل اشكال كبير ومتشعب عند الترجمة . فالمصطلح قد لا يكون عليه اتفاق اصلا في ذات البيئة التي نشا فيها , وانما يختلف باختلاف المكان والزمان كمصطلح الليبرالية الذي ينبه عليه الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه الحلول المستوردة . فالعبء يقع حينئذ على المترجم ان يختار واحدا من معانيها لترجمته فيلقى بذلك معارضة من له مفهوم مخالف , وقد لا ينجح في اختيار الكلمة المناسبة في اللغة المقابلة . ويبقى مع ذلك عدد من المصطلحات المترجمة التي لا يمكن التوفيق بينها وحقيقة تسميتها . فـمن ذلك :
- “العلمانية” مثلا يفترض انها ترجمة لكلمة Secularism وتعني فصل الدين عن الدولة, وليس من مفاهيمها ما له اي صلة بالعلم والمنهج العلمي الذي يحمل ضمن مفاده معاني براقة حميدة .
- ولا تقل الترجمة العربية بطاقة “الائتمان” كذلك ايهاما عن اصلها. فكلمة Credit لها معنى الدَّين وتستخدم ايضا بمعنى الرصيد . ولكن البطاقة في حقيقتها بطاقة دَين وقد يترتب على استخدامها ربا . فالامن والامان الذي توحيه التسمية ليس الا صرفا عن حقيقتها انها استدراج للدين الذي قد يوقع في الربا .
ثالثا – تغير المصطلحات :
ولتغير المصطلح نفسه مع الزمن وزن اخر .
- فمصطلح القومية بالنسبة للعرب في الثلاثينات مثلا لم يكن متلبسا بأدران العصبية كما حصل بعدئذ عند نشوء الاحزاب القومية .
- ومسمى الاشتراكية كان الثوب الفضفاض المناسب لقبول محتمل في خطاب المنطقة العربية ، بعد ان فشلت الشيوعية لاصطدامها المباشر بالإسلام . وشأن الاشتراكية في ذلك شأن اي مصطلح جديد تتفاوت الافهام في الحكم عليه بحسب ما ترى فيه من ايجابيات او محاذير . وعندما كتب الاستاذ مصطفى السباعي رحمه الله كتابه اشتراكية الاسلام , تعرض للانتقاد بسببها . وبالمقابل نرى ان سيد قطب لزم جانب الحذر فعنون لكتابه العدالة الاجتماعية في الاسلام . وفي هذا الاختيار حصافة وكياسة .
- الواقعية والوجودية والتقدمية والرجعية والتخلف والظلامية والتنوير والحداثة والعولمة والتجارة العالمية وتحرير الاقتصاد وتجديد الخطاب الديني والاندماج والنظام العالمي الجديد والشركات عابرة القارات والصحة الانجابية ، هي غيض من فيض من الكلمات المتداولة في حاضرنا ، والتي تؤثر على المستمعين وتشكل نظرتهم للواقع الذي يتم صياغته واعادة تشكيله . والقوة وحدها لا تكفي للتغيير ، وانما يسبقها غزو فكري للتمهيد وتتبعها يد القوة الناعمة لتمكين التغيير واحباط اي مقاومة .
- ان الشعارات قد تكون جذابة براقة لكن لا يؤيدها الواقع . فالثورة الفرنسية التي كانت شعاراتها حرية اخاء مساواة ( وهي ذاتها شعارات الماسونية ) ، لم يمنعها ذلك من ان ترفع كذلك شعار [ سنشنق اخر ملك بأمعاء اخر قسيس ] وذلك تعبيرا عن السعي للتخلص من الملكية والاقطاع وسلطة الكنيسة . وعلى هذا المستوى فإعدامات المقصلة تشهد بصدق الاخيرة اكثر مما تشهد للأولى .
- وفي خضم هذا الصراع نشأ مصطلح الدولة المدنية لتكون بديلا عن الحكم الثيوقراطي او نظرية الحق الالهي التي كان يحكم الملوك بها أوروبا بما هو اكثر من مباركة من الكنيسة . لأنها كانت وحدها صاحبة الحق في منح او سلب الحقوق المدنية لأي فرد في المجتمع وعلى رأسهم الملوك ، وقد بات احدهم في العراء خارج الكنيسة حافي القدمين وسط الثلج ثلاثة ايام منتظرا عفو البابا عنه ورفع حرمانه ، ولو لم يفعل ذلك لفقد ملكه . ان هذه المفاهيم بعيدة جدا عن اسس وشكل النظام الاسلامي للدولة . وان كانت مثل هذه الدعوة جذابة لمن يريد بها مواجهة اقامة الحكم على اساس أئمة معصومين لهم صفة الالوهية , او يعني بها التخلص من سلطة المليشيات وعربدتها ، فان هناك من يريد بالدولة المدنية ان تكون دولة علمانية لا مكان للدين فيها ، الا على مستوى الممارسة الشخصية الروحية التي لا أثر لها في الواقع . وأيا كان تعريف الدولة المدنية ، فسيكون تعريفا جديدا غير مرتبط بالمصطلح الاول في ظروف نشأته واستخدامه . فان قيل لا مشاحة في الاسماء , فان الاولى ترك ما قد يؤدي الى الايهام ، او ان يكون ذريعة لمآرب اخرى .