المولد والنشأة :
ولد في مدينة الفلوجة عام 1976 م لأسرة بسيطة في حي الرسالة تمتهن بناء البيوت ، وكان أخوه الاكبر قد هيأ له الاجواء المناسبة للتفرغ لطلب العلم الشرعي وشجعه على ذلك ، مما جعل دروس العلم شغله الشاغل بالليل والنهار .
درس الابتدائية في مدرسة الخليل واكمل المتوسطة في حي النزال والاعدادية بمدرسة ابي جعفر المنصور، وبرغم معدله العالي في الاعدادية الا أنه ذهب الى كلية الشريعة وهناك اكمل مشواره التعليمي بتفوق واضح .
بعد تخرجه من الابتدائية ابدى التزامه بفرائض العبادة مُميزاً ، وكان ضمن الوجبة التي ارسلها الشيخ محمد عياش الى جامع علي بن ابي طالب رضي الله عنه للانخراط في الدورة القرانية وتعلم احكام التلاوة .
ومطلع عام 1992 م أُفتتح جامع الفردوس ، وتميز بين اقران المسجد بالنباهة والنبوغ ، حيث كان قد اكمل نصف القران ثم خصص برنامجاً للحفظ السريع وذلك بحفظ جزء يومياً فأتم حفظ الكتاب العزيز وهو لا يزال في المرحلة الاعدادية .
طالب العلم :
مثلت حلقات العلم الشرعي لابي جعفر كالغذاء الذي ينمو به الجسد ، فدرس عند الشيخ محمود عبد العزيز معظم كتب اللغة العربية وكذلك كتاب ( اللمع ) وشرح ( الورقات ) في اصول الفقه ، وفي الفقه لمذهب الحنابلة لكنه لم يُكمل بسبب احداث الاحتلال .
وفي هذا المقام يتحدث الشيخ محمود قائلاً : ( لما تعرفت عليه قمت بامتحانه وكان خطه في الجواب ضعيفاً فاخذت فكرة أن مستواه ضعيف ، ولكن لما قرأت الجواب وجدته مائة من مائة ) .
ومالت نفسه الى مصطلح الحديث فلازم الشيخ مكي الكبيسي ملازمةً شديدةً ، فأخذ عنه كتب هذا الفن ثم ختمها بـ ( ألفية الحافظ العراقي ) واثناء ذهابه الى بغداد للدراسة الجامعية واظب الحضور عند مشايخ بغداد ، فدرس عند الشيخ الراحل عبد القادر العاني رحمه الله كتابي ( جمع الجوامع ) و ( المنهاج ) في الفقه الشافعي .
ومن طريف ما يذكر انه عندما كان طالباً في كلية الشريعة كان يدرس زملائه الطلبة مادة النحو وامتلات القاعة بينما بقيت قاعة الدرس شبه فارغة .
طريق الدعوة :
تأثر الشيخ ( ابو جعفر ) بالحركة الاسلامية منذ التسعينات وحرص على قراءة كتب الدعوة ومفكريها . حيث تمثلت نشاطات ابي جعفر الدعوية في اتجاهات متسلسلة وضعها ضمن دراسة واضحة لكيفية التأثير في طبقات الشباب عبر عدة وسائل ، منها :
- المبادرة في التعرف على الشباب والتودد اليهم ودعوتهم الى حضور الصلاة وشيئاً فشيئاً تجدهم ينخرطون في دورات القران والعلوم الشرعية .
- حرصه التام على الإحاطة بتفاصيل تلاميذه كافة ، فيتعرف على اسرهم ومستواهم الدراسي ويشاركهم الافراح والاحزان .
- امتاز عمله بالتدرج ، فحلقة العلم والدعوة في المسجد لديه تبدأ صغيرة لا تتجاوز اليد الواحدة ، ومع الايام تكبر ثم يبدأ بتكوين اخرى وهكذا .
الخُلق الحسن :
تميز الشيخ محمد بادب عالي المستوى ، يُحرج من امامه بدماثة خلقه ، وحينما اضطره بعض المشاكسين الى الدخول في مناظرة لبعض مسائل الفقه اشترط عليهم ان تكون الاستشهادات من القرون الثلاثة الاولى لانها تحمل صفة الخيرية كما في الحديث الصحيح ، وحينما علم خصومه بهزيمتهم المحققة تغيبوا عن اللقاء ولم يحضر احد منهم .
التربية بالنشاطات :
توسعت وسائل التربية في برنامج الشيخ ابي جعفر رحمه الله ، فسخّر كل الامكانيات المتاحة لجذب الشباب الى المسجد وادخالهم الى الفعاليات التي تحرك في نفوسهم الرغبة او النشاط كالسباحة والمصارعة وكرة القدم والفنون القتالية والركض في المساحات المفتوحة .
واستطاع ان يجسد مفهوم البذل بشكل واقعي حين اوقف نفسه في الفترة الصباحية عاملاً في ترميم المسجد مع العمال حتى اذا حانت صلاة العصر ، هيأ نفسه بالغسل وتغيير الثياب ، فاذا اقيمت الصلاة تقدم للامامة بين المصلين ، ثم يستأنف بعدها الدروس اليومية .
شهيد يزور شهيد :
اليوم هو الاثنين 3/7/2006 م ، يخرج الشيخ ابو جعفر لتهنئة اخيه الشهيد احمد سرحان ( الذي استشهد فيما بعد ) بمناسبة زواجه ، وفي الطريق المؤدي من جامع الفردوس الى بيت العريس حيث الغوغاء قد نصبوا كميناً للشيخ رحمه الله ، وكان عددهم كثيفاً اذ حسبوا ان يكون لابي جعفر عدد من الحماية ، وبادروه باطلاق النار بشكل جنوني ، نقل على اثرها الى المستشفى وبقي على هذا الحال حتى ساعات الفجر الاولى ، غادر بعدها الدنيا ملتحقاً بركب الابرار .
رحم الله الشيخ الفقيه بواسع رحمته ، واسكنه فسيح جناته .