حركة العدل والإحسان – مكتب الفكر
تمهيد :
هذا المصطلح حادث مجمل المعنى ، لا يمكن الحكم عليه أو التعامل معه مادام على إجماله ؛ لذا لا بد من تفكيكه الى عناصره الأساسية ، ثم الحكم عليه .
يعود أصل المصطلح الى :
- هوى – يهوى : أي أحب .
- هوى – يهوي : أي سقط من علو الى أسفل أو انحدر .
- الضمير ( هو ) : أي حقيقة الشيء التي تميزه عن غيره .
ومن مجموع هذه الأصول يمكن أن يكون المصطلح معبرا عن عامل الحب والجذب والانحدار ( الميل ) الى الشيء ومعرفا بحقيقته وصفاته الذاتية التي تميزه عن غيره .
الصبغة :
ولعل أقرب مصطلح شرعي يعبر عن هذا المفهوم هو ” الصبغة ” الوارد في قوله تعالى ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ) .. قال المفسرون : صبغة الله أي دين الله ، وهو الاسلام ، [ وإنما سماه صبغة لأنه يظهر أثر الدين على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب ، وهي أثر من آثار الطهارة والصلاة والعبادة ( سيماهم في وجوههم)] .
فالمقصود بالصبغة الهوية ، والهوية هي الاسلام الذي ينبغي أن يصبغ الفرد بصبغة متميزة في عقيدته ومشاعره وفكره وأهدافه وتصوراته وآماله وسلوكه وأعماله .
وهذا المصطلح ” الصبغة ” ينبغي التسويق له وتداوله في المجتمع المسلم فيكون مألوفا ليحل محل ( الهوية ) من باب إشاعة استعمال المصطلحات الشرعية . وهذا لا يعني إلغاء أو رفض مصطلح ( الهوية ) ، بل إن استعماله الواسع في البحوث والدراسات هو المعتمد حاليا ، فلا مندوحة من التعامل به .
تعريف المفهوم :
الهوية : هي مجموعة العقائد والمبادئ والخصائص والسمات والترميزات التي تعبر عن كيان ينصهر فيه افراد منسجمون بتأثير هذه الميزات والخصائص ، وتسهم في الحفاظ على وجودها من تحديات التشتت والتفكك والإقصاء.
لكل أمة هوية تحدد مكوناتها وملامحها ووظيفتها ورسالتها وتعبر عن عمق شعور أفرادها بها ، والوعي بالأسباب المبررة لوجودها أو الجامعة لصفاتها .
فهوية الأمة : هي إخبار عن حقيقتها وصفاتها الذاتية المميزة لها كما انها عامل جذب تجتمع الأمة حوله. ولكي يتحقق وصف الهوية التي تجمع الأمة وتوحدها لابد لتلك الهوية أن تكون واحدة وقوية ومتميزة .
مكونات الهوية :
إن تحديد هوية مجتمع ما يقتضي العودة إلى جملة من العناصر التي يمكن توصيفها بعناصر مادية وتاريخية وثقافية ونفسية واجتماعية ، ويمكن تصنيفها الى :
- عناصر : وهي مقومات الهوية المادية والتاريخية والثقافية والنفسية والاجتماعية ، وتتضمن : الدين ، القيم ، الفكر ، العرق ، الجغرافية ، اللغة ، الحضارة ، التاريخ ، الثقافة ، الانتماء ، وبالولاء ، ومواجهة التحديات ، والتعايش المشترك.
- مظاهر يصطبغ بها المجتمع أو الأمة وتتضمن : الازياء ، الطعام ، الفن ، الأدب ، العمران ، المصطلحات ، العادات والأعراف ، طبيعة العلاقات ..
وللروافد التاريخية والجغرافية واللغوية والجمالية والثقافية المختلفة دور مهم في بناء الهوية وتمكين أصحابها من وعي ذاتهم ، ووجوه المفارقة التي تميزهم عن غيرهم . [ تجديد الوعي – د . البكار / ص 70 ] .
الهوية الاسلامية :
يدور معنى الهوية ( أو الصبغة ) الاسلامية نحو التميز الأبرز للأمة ، فالإسلام بعقائده وأركانه وأحكامه القطعية يشكل الأساس للهوية الاسلامية ، كما يشكل الإطار العام لحدود تجديد الهوية وإعادة انتاجها ، ويتمثل ذلك بالنسبة للأمة الاسلامية بما يأتي :
- الوسطية .
- الدعوة الى الخير .
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
- الايمان بالله .
أهمية الوعي بالهوية :
إن الوعي بالهوية ذو أهمية بالغة في حياة الأمة وشهودها الحضاري :
- فتعرف الأمم والأفراد على هويتهم الخاصة يعني وعيهم بذاتهم ، ويساعد على تحديد أهدافهم وبلورة مشكلاتهم . كما يحدد موقعهم بين الأمم .
- يضفي قوة على النسيج المجتمعي المتمثل بالتعاون على البر والتقوى .
- ويعمل الاعتزاز بالهوية على استثارة عوامل النهضة في ميادين العلم والمعرفة ، والاقتصاد ، والإبداع ، والتطوير والترقي الحضاري .
دعائم المفهوم :
يقوم مفهوم الصبغة ( الهوية ) على دعائم أهمها :
- الولاء : ويعني المحبة والمودة والقرب ، وهو من اعمال القلوب ولكن تظهر مقتضياته على اللسان والجوارح ، كالنصرة والأنس والمعاونة .
- الانتماء : وهو الارتباط بالكيان ، وبترسيخ مفهومه عند الأفراد والجماعات تتعزز الهوية .
- الاخوة : أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة ، فهي أوثق الروابط وأعلاها .
- الشعور بالتميز والاستقلالية : فقد حرم الاسلام كل اشكال التبعية لغير المسلمين ، وهذا لا يعني حرمة الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم الناجحة .
المحافظة على الهوية : من خلال
- العقيدة الصحيحة والشعائر الاسلامية : متمثلة بالإيمان بعقيدة الأمة والإعتزاز بالإنتماء اليها وإبراز الشعائر الاسلامية والتمسك بها .
- احترام قيمها الحضارية والثقافية : الوسطية ، الدعوة الى الخير ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحلي بالأخلاق السامية
- استعادة ذاكرة التاريخ للوقوف على تاريخ الحضارة الاسلامية والمفاخرة بصفحاته المشرقة .
- تطوير المعارف والمحافظة على اللغة العربية .
- التحذير من التشبه بالمشركين ( من تشبه بقوم فهو منهم ) .
- التحذير من مخططات التشويه والطمس : المتمثلة بالغزو الفكري ، وتقليد المحتل ، والإغراء بالنماذج الشاذة .
- الاستعانة بإعلام اسلامي متخصص ومساير للعصر ولروح الشريعة .
أزمة الهوية :
يقول الدكتور عبدالكريم البكار :
[ إذا لمحنا في هويتنا الاسلامية أثر الأصول والثوابت الاسلامية ، ولمحنا اثر الجهد البشري في إبداع الصيغ الجديدة لتجليات الهوية ، استطعنا القول : إن تهميش الثقافة الاسلامية الأصيلة في كثير من بلاد المسلمين أدى الى ضعف إحساس الأجيال الجديدة بهويتهم ، واضعف حساسياتهم تجاه الوافدات الجديدة ، مما سهل على القوى الثقافية القاهرة اختراق العديد من جوانب ثقافتنا ، وجعل الشعور بخصوصيتنا الثقافية موضع تساؤل .
ومن وجه آخر ، فإن دخول الأمة في مرحلة التراجع الحضاري سوف يعني الكف عن تجديد الهوية وبعثها وإعادة انتاجها ، مما يحولها الى اشياء يتم تلقينها للناس دون ان تعني لهم الكثير ، فهي لا تحركهم الى خير ، ولا تردعهم عن شر .. وبذلك تتحول الى عبء على الذاكرة ] . تجديد الوعي / ص 73 .
الأسباب :
ولأزمة الهوية أسباب رئيسة ، تكاد تنحصر في محورين أساسيين هما :
- حين تشعر الأمة بوجود هوة كبيرة فاصلة بين قيمها وسلوكها ( الفجوة بين المثال والواقع ) .
- حين تقارن الأمة حالها بحال غيرها من الأمم .
الحل :
إن الهوية بحاجة الى تجديد مستمر يبلور مفرداتها ويدفعها نحو التجسيد والتحقق بما يضفي عليها من خصوصية مشاعر الأمة ومفاهيمها .
إن حل أزمة الهوية لا يكون إلا من خلال :
- إعادة تنظيم حياتنا الشعورية والأخلاقية والعقلية في ضوء ثوابت المنهج الاسلامي الأقوم .
- تحقيق درجة من الندية للأمم الأخرى في مجالات الانتاج الحضاري كافة .
ومن غير هذا وذاك ستكون الشكوى من تأزم الهوية مضيعة للوقت والجهد . [ تجديد الوعي / ص 75 ] .