بقلم / الدكتور منير السامرائي
مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم ليس مناسبة احتفالية عابرة ، تتزين فيها الشوارع والحارات ، وتوزع فيها الأطعمة والحلويات ، وتتمايل فيها الأعناق وتعلو الهتافات ..
إنه مناسبة تتجدد فيها الحياة بأبعادها السامقة ، وتكتسب معنى الانبعاث وتحرر الذات ، للأمة والأفراد والجماعات .. فمولده صلى الله عليه وسلم كان ارهاصا لبعث جديد وفجر سعيد للبشرية جمعاء ، وهو بداية واعدة لرحلة الإعداد الطويلة لنهوض الأمة .. أمة الإيمان ، تخللتها أحداث وحوادث فيها من المعجزات والأسرار ما يشير الى أن لهذه الأمة شانا كبيرا يتحقق على يد النبي الأمي عليه الصلاة والسلام .. وقد كان ..
فلا ينبغي أن تكون أيام الرسول صلى الله عليه وسلم تاريخا يتلى ، وتراثا قصصيا ماتعا يقرأ ، وحسب ، وإن سيرته ليست أحداثا تستذكر يوم ميلاده ، ولا التنويه به يكون في ترديد صلوات مخترعة ، ولا إكنان محبته يكون بتأليف مدائح أو صياغة نعوت له مستغربة يتلوها العاشقون ولها يطربون .. فإن في ذلك ظلما – أيما ظلم – للتاريخ ودور الرسالة وصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ، وما يقف وراءها من أسباب النهوض والسيادة والشهود الحضاري الذي تضطلع به الأمة . فرباط المسلم برسوله الكريم أقوى وأعمق .. [ إن المسلم الذي لا يعيش الرسول في ضميره ، ولا تتبعه بصيرته في عمله وتفكيره ، لا يغني عنه أبدا أن يحرك لسانه بألف صلاة عليه في اليوم والليلة ] – كما يقول الشيخ الغزالي رحمه الله تعالى .
إن حياته وسيرته صلى الله عليه وسلم ( قرآن يمشي بين الناس ) ، وتمثل حقيقة الدين وصورة التدين الحق ، وموضع القدوة والأسوة الحسنة للمؤمنين .. أما حين ينسحب الدين من ميدان السلوك والتوجيه وقيادة الحياة في الفرد والأمة ، الى ميدان اللهو واللعب والشكليات ، فتلك هي الردة والتراجع والخسران المبين .. وأولئك الذيت يتخذونه كذلك هم المعنيون بقوله تعالى محذرا وآمرا ( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ) .. فالدين بشرائعه وشعائره ، وأحكامه وحكمه ، وأوامره ونواهيه ، ليس ساحة للعب أو ميدانا للهو والهزل ( أنه لقول فصل . وما هو بالهزل ).. فالأمر جد ، لا يقبل التراخي والكسل .. وإن ( يومياته ) صلى الله عليه وسلم الزاخرة بالنشاط والعنفوان هي المثل والأمل .. وحري بنا , ونحن نحتفي بيوم مولده – من باب الفرح بفضل الله ورحمته – أن نعيد النظر في ( يومياتنا ) على وفق سنته ويومياته صلى الله عليه وسلم .. ( وذلك هو الفوز العظيم ) ..