وتعلّمتُ من رمضان

0
1188

بقلم فائق الكبيسي

أسبغ الله تعالى علينا نعمته بإتمامنا صيام شهر رمضان وقيامه، أفلح فيه من صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا، وخاب وخسر فيه من أدركه ولم يُغفر له!!

لعلّنا تذوّقنا حلاوة العبادات، وشعرنا بلذة القرب والطاعات، والحليم الحريص على النّجاة من يديم طاعاته ويزيد عباداته!!

والأهم من هذا كله أن نحفر في قلوبنا ما تعلمناه من رمضان؛ حتى يكون سلوكًا مستديمًا لنا في رمضان وغير رمضان، ومن ذلك:

1-  تعلّمتُ من رمضان أنّ الله لا يقبل من العمل إلّا ما كان خالصًا له وحده سبحانه، ” إلّا الصيام فإنّه لي وأنا أجزي به ” فلنحرص كلّ الحرص على تمحيص النّية وتحقيق الإخلاص لله تعالى في كل شؤوننا.

2-  وتعلّمتُ من رمضان أن العبادات من غير استحضار النية وحضور القلب تنقلب عادات لا روح فيها ولا أثر يتولد منها على سلوك المسلم، وأنّ العادات والمباحات مع استحضار النية وحضور القلب تنقلب إلى عبادات نؤجر عليها، فنحن – كما يقول الشيخ الزهاوي رحمه الله: نحن تجّار نيّاتٍ؛ فأهل الغفلة عباداتهم عادات، وأهل اليقظة عاداتهم عبادات، فلنجعل حياتنا كلها عبادة وطاعة لله: ” قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين. لا شريك له وبذلك أُمرتُ وأنا أوّل المسلمين “.

3- وتعلّمتُ من رمضان أنّ المسلم الحقّ لا يعيش لنفسه، ولا يدور في فلك ذاته فحسب، بل يعيش لغيره متلمّسًا آلام مَن حوله فيداويها بلمسته الحنونة، ويتفقد أرحامه وجيرانه وأصدقاءه فيسد احتياجاتهم، ويقف معهم في شدائدهم، المسلم للمسلم كاليدين تغسل إحداهما الأخرى!!

4-  وتعلّمتُ من رمضان أنّ المسلم ناجحٌ في كلّ شؤونه؛ لأنه منظّمٌ من خلال احترامه للوقت وترتيب أولوياته وإنجازه لمهامّه وقيامه بواجباته على أتم وجه وأحسن ما يكون؛ لأنّ مدرسة رمضان ربّتهُ على اغتنام الأوقات فيما ينفع، وأنّ الوقت هو الحياة، فمن أضاع جزءًا من وقته في غير نفع فقد أضاع جزءًا من عمره!!

5- وتعلّمتُ من رمضان أنّ العبادات لها مظهر وجوهر، فلا يمكن أن تحقّق حقيقة العبادة الا إذا حقّقت جوهرها مقصدها – وإن كان المظهر مطلوبًا، لكنّ الشارع الحكيم ميزانه الجواهر لا المظاهر، والمسلم يأتي بالمظهر، ولكن حرصه على تحقيق الجوهر ولبّ العبادة أكثر، وإلا ستكون عباداتنا جوفاء يابسةً لا روح فيها ولا تأثير!!

6- وتعلّمتُ من رمضان أنّ الإنسان رتبته فوق البهائم؛ كونه يتمتّع بالعقل، وهو أيضًا دون الملائكة؛ كونه تغلب عليه الشهوات، فإذا انهمك الإنسان في تحقيق شهواته نزلت رتبته إلى أسفل من رتبة البهائم، بينما إذا عمل على قمع شهواته فإنّه سيرتفع في رتبته وسيلتحق بالقرب من مرتبة الملائكة، فالملائكة أقرب المخلوقين إلى الله سبحانه!!

7-  وتعلّمتُ من رمضان أنّ المسلم ناصعٌ صافٍ لا غشّ في قاموسه، ولا زور في قوله، ولا التواء في سلوكه، فكلماته طيّبة، وابتسامته صادقة لا تفارق محيّاه، نفسه كريمة وروحه رحبة وصدره واسع، يكظم غيظه، ويحلم على من آذاه، ويواسي المكروب، ويغيث الملهوف!!

8- وتعلّمتُ من رمضان أنّ العيش مع القرآن من أعظم النّعم، فمن خلاله تقيّم الأحداث، ومن قيمه يُحكم على الخطأ والصواب، فهو دستورنا الخالد، لا كتاب لاستجلاب الحسنات والتبرك به فحسب، بل هو منهج حياة، وصالح لكل زمان ومكان، بل يُصلِحُ كلّ زمان ومكان!!

9- وتعلّمتُ من رمضان أنّ الدعاء من أجلّ العبادات ” وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيبُ دعوةَ الدّاعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون “، وأنّه لحكمة بالغة خلق الله الإنسان ضعيفًا؛ لأنّه لو خلقَهُ قويّاً لاستغنى بقوّته عن الله عزّ وجل، فيشقى باستغنائه، خلقَهُ ضعيفًا؛ ليفتقر في ضعفه، فيسعد في افتقاره.

فالله تعالى خلقَنا ضعفاء وساقَ لنا بعض المصائب؛ كي نتعرّفَ إليه، ونتّصلَ به، ونسعد بقربه، ونذوق طعم القرب منه، فأحيانًا يضعف الإنسان أمام نازلة تنزل بساحته، ليس له إلّا الله، فيدعو الله عزّ وجلّ، فيستجيب له؛ فتزداد عقيدته بالله، يدعو الله فيستجيب له، فيذوق طعم القرب منه، فيلزم هذا الباب، فكم من مصيبةٍ سبّبت قربًا من الله، وكم من مشكلةٍ أورثت عودةً إليه، وكم من شدةٍ أعقبت أنّ الإنسان حينما يعرفُ الله يزهد فيما سواه !!

10- وتعلّمتُ من رمضان أنّ أعزّ ما أملكه هو قلبي، فهو محطّ نظر الله سبحانه، وهو مستقرّ الإيمان، ومحلّ التقوى، فإذا صلح صلح سائر الجسد، وإذا فسد فسد سائر الجسد، ففي القلب حقيقتك، وفي القلب مرآتك، وفي القلب ذاتك، وأنت أعرف به؛ فلا تغتر بمدح المادحين، ولا تضجر لقدح القادحين!!

 

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here