إن الليالي والأيام، والشهور والأعوام، تمضي جميعا، وتنقضي سريعا؛ هي محط الآجال؛ ومقادير الأعمال فاضل الله بينها فجعل منها: مواسم للخيرات، وأزمنة للطاعات، تزداد فيها الحسنات، وتكفر فيها السيئات، ومن تلك الأزمنة العظيمة القدر الكثيرة الأجر يوم عرفة الذي تظافرت النصوص من الكتاب والسنة على فضله ومنها:
1- يوم عرفة أحد أيام الأشهر الحرم قال الله- عز وجل- : ” إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ” [التوبة:39]. والأشهر الحرم هي : ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب.. ويوم عرفة هو اليوم التاسع من أيام شهر ذي الحجة.
2- يوم عرفة أحد أيام أشهر الحج قال الله – عز وجل- ” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ “[البقرة:197] وأشهر الحج هي : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة.
3- يوم عرفة أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه قال الله – عز وجل- : “لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ” [الحج:28]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ” الأيام المعلومات: عشر ذي الحجة “.
4- يوم عرفة أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها؛ منبها على عظم فضلها وعلو قدرها قال الله – عز وجل- : ” والفجر . وَلَيَالٍ عَشْرٍ ” [الفجر:2]. قال ابن عباس – رضي الله عنهما: “إنها عشر ذي الحجة”، قال ابن كثير: وهو الصحيح.
5- يوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عمل أزكى عند الله – عز وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله – عز وجل- ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله –عز وجل- إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الدارمي وحسن إسناده الشيخ محمد الألباني في كتابه إرواء الغليل.
6- يوم عرفة أكمل الله فيه الملة، وأتم به النعمة، قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- : إن رجلا من اليهود قال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال : أي آية؟ قال: ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا ” [المائدة:5]. قال عمر – رضي الله عنه- : قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.
7- صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين: فقد جاء الفضل في صيام هذا اليوم على أنه أحد أيام تسع ذي الحجة التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيامها، فعن هنيدة بن خالد رضي الله عنه- عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر : أول اثنين من الشهر وخميسين) (صحيح أبي داود).
كما جاء فضل خاص لصيام يوم عرفة دون هذه التسع قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم عرفة : ( يكفر السنة الماضية والسنة القابلة) (رواه مسلم).. وهذا لغير الحاج، وأما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف.
8- أنه يوم العيد لأهل الموقف قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام) (رواه أبو داود وصححه الألباني).
9- عظم الدعاء يوم عرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة) (السلسلة الصحيحة). قال ابن عبد البر رحمه الله: “وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره”.
10- كثرة العتق من النار في يوم عرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة) رواه مسلم.
11- مباهاة الله بأهل عرفة أهل السماء قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء) رواه أحمد وصحح إسناده الألباني.
12- ذكر العلماء أن التكبير ينقسم إلى قسمين:
التكبير المقيد الذي يكون عقب الصلوات المفروضة، ويبدأ من فجر يوم عرفة، قال ابن حجر – رحمه الله- : “ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث، وأصح ما ورد عن الصحابة قول علي وابن مسعود رضي الله عنهم أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى”.
وأما التكبير المطلق فهو الذي يكون في عموم الأوقات، ويبدأ من أول ذي الحجة، حيث ” كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما”، والمقصود تذكير الناس ليكبروا.
13- فيه ركن الحج الأعظم، وهو الوقوف بعرفة الذي لا يتم حج أحد إلا به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) متفق عليه.
إذا كان هذا اليوم قد حوى كل هذه الفضائل فينبغي على المسلم ألا يفرط فيه ويضيعه من غير طاعة وذكر ودعاء، كما لا ينبغي أن يفوت المسلم الصيام في هذا اليوم ليغفر الله به ذنوب سنتين، سنة ماضية وسنة آيتية، وهذا فضل كبير لعمل ليس بالشاق العظيم.. وننبه كل فاضل ألا يعرض نفسه في هذا اليوم لسخط الله بالوقوع في معاصيه ومساخطه فإن هذا اليوم أعظم وأكرم من أن يضيع في غير طاعة فضلا عن أن يكون في معصية فهذا من علامات الحرمان.
اللهم بلغنا بمنك عرفة، ووفقنا لحج بيتك الكريم، وتقبل منا صالح الأعمال واجعلنا من عتقاء الله من النار في ذلك اليوم يا كريم.
المصدر: اسلام ويب