نسبه ونشأته
هو الشيخ سعيد محمد طه السامرائي، ينتسب الى عشيرة البو دراج احدى عشائر سامراء السبعة المعروفة، ولد رحمه الله عام 1982م، دخل مدرسة الادريسي الابتدائية للبنين واكمل دراسته فيها، في تلك الاثناء فقد والده الكريم الشيخ محمد الذي اختطف ولم تزل الجهة المختطفة مجهولة.
تلقته يد والدته الكريمة بالعناية والتربية، فعلمته مسالك التقوى ودروب الايمان، وكانت كثيراً ما تحثه على ارتياد المسجد والوقوف في محراب الصلاة خاشعاً لله رب العالمين.
تشرب الشهيد اليتيم حب الكتاب العزيز وجرى في عروقه، فانطلق الى دورات القران في مسجد 14 رمضان في حي الموظفين ليكون استاذه في ذلك الشهيد الهمام علاء عبد عسل الجنابي ( ابو صهيب)، الذي صحبه كثيراً وتعلم منه نصرة الدين والتعلق بالاخرة، وجد الفتى سعيد تشجيعاً ممن حوله في الدخول الى المدرسة الاسلامية في الرمادي لتعلم العلوم الشرعية، كي يكمل مسيرة الاباء والاجداد في رفع الراية وارتقاء المنابر، وهناك تتلمذ على ايدي العلماء الافاضل منهم الشيخ الدكتور عبد الملك السعدي، والشيخ الشهيد عبد العليم السعدي، كما حرص على حضور الدروس في ايام الاجازة في جامع البنية في الفقه الحنفي في الكتاب الموسوم ( الاختيار لتعليل المختار).
اللقاء المبارك
التقى سعيد برجل استقبله بابتسامة اثناء خروجه من صلاة العصر في جامع المحمودية الكبير، كان لهذا اللقاء ما بعده من العمل الكبير، ولم يكن ذلك الرجل سوى الشهيد المهندس اياد العزي رحمه الله. يقول الشيخ سعيد عن ذلك اللقاء: ( وجدت رجلاً يعيش للاسلام ونصرته والذود عنه في كل زمان ومكان، ولا ينافس هذا الاهتمام شئ من حياة الناس كالبيت او المال او الزوجة، يفرح للعمل الناجح، لكن سرعان ما تدمع تلك العيون الصادقة لمشهد مؤلم، رجل وضعني على الطريق القويم لنصرة الدين وتحمل مسؤولية الدعوة الى الله).
في المستشفى
في احدى الايام جاء الشيخ سعيد الى الكلية في الامتحانات النهائية وقد احمرت عيناه من السهر، فلما سألناه عن سبب ذلك الاثر في العيون، قص علينا القصص وتبين انه قد بات ليلته في احدى المستشفيات مع طفل يتيم فقد حنان ابويه في وقت مبكر، فما كان من الشيخ الا ان يبقى معه حتى تماثل للشفاء وقام باخراجه من المشفى وايصاله الى بيت جده، وليس هذا فحسب بل قام بزيارته واعطاه نسخة من القران الكريم وقصصاً من السيرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام.
فندق الدعوة
هذا حال البيت الذي يسكنه الشيخ سعيد رحمه الله، حيث كان لا ينتهي من زائر حتى ياتيه زائر او اكثر من الاخوة، كان غايةً في الكرم والعطاء لا يبخل بشئ، يقدم راحة اخوانه ومحبيه على نفسه وبرنامجه في كل شئ، ولا زلت اتذكر تلك الايام التي نبيت فيها عنده فيذكرنا بامانة الدين والدفاع عن الثوابت وتحصين القيم من معاول الهدم التي ترمى من كل جانب.
كما لا ينكر الدور المبارك لوالدة الشيخ الشهيد في حسن ادارتها للبيت وفتح بابها لكل ابنائها من الاخوة والترحيب بهم خصوصاً في اشتداد الازمات والملاحقات الامنية التي طالت شباب المساجد عقب الاحتلال على ايدي الطائفيين المأجورين.
رجل المسجد
مارس الشيخ رحمه الله دورا متميزا في تفعيل دور المساجد في المحمودية، فقد وطّن نفسه جندياً مكلفاً بمتابعة دورات تحفيظ القران، وكذلك جمع الائمة والخطباء في جامع المحمودية الكبير لغرض توحيد الكلمة والصف بين شرائح المجتمع، فكان يبقى كثيراً الى ساعة متأخرة من الليل لحل المشكلة او فض نزاع قد ينشب بين المصلين، وهذه المنقبة قد ورثها عن ابيه الشيخ المجاهد محمد السامرائي من تعلقٍ بالمساجد والسعي الى خدمتها بافضل وجه ممكن.
وحين اشتدت الهجمات الطائفية على بيوت الله، شكّل الشيخ مع رفاقه من الائمة والخطباء مجموعة من الشباب المسلم لغرض حماية بيوت الله من الاعتداءات الاثمة على يد الميليشيات الطائفية الحاقدة.
حادثة استشهاده
في يوم الخميس الموافق 2006/7/6 م عاد الشيخ وبصحبته الشيخ حسن مظهر العبيدي الى المحمودية لغرض تجهيز مساجد القضاء بمنهج دورات تحفيظ القران، ولما بلغت سيارة الاجرة التي تقل معهم عددا من الراكبين الى منطقة ابي دشير فوجئوا بانتشار اعداد كبيرة من المليشيات المجرمة وهم يفتشون السيارات، فلما فتشوا سيارتهم وجدوا كتاب ( قدر ورجال) للشيخ المهندس اياد العزي رحمه الله ومعه عمامة بيضاء، فسألوا لمن هذه العمامة؟ فقال الشيخ بكل فخر واعتزاز: هذه عمامتي، فحاولوا انزاله بالقوة، عندها حاول الشيخ حسن الدفاع عنه فايقن الشيخ سعيد انه مقتول، فاطلق رصاصه من مسدسه الخاص على احدهم، حيث كان يحمله عندما انتشر القتل بين الناس على الهوية.
قامت المليشيات بقتله واخذت الشيخ حسن وقتلته بعد تعذيبه، وقد قامت المليشيات باخفاء جثة الشيخ سعيد، وبعد جهود مضنية من اهل الشيخ سعيد واصدقائه تمكّنوا من الحصول على جثته ووجدوها قد احرقت بالكامل، وكان هذا الحرق بعد موته، ليكشف هذا الفعل عظم اللؤم والحقد والاجرام الذي كانت تحمله تلك المليشيات المجرمة.
تغمده الله بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته، ونسأل الله عز وجل ان يرزقه الفردوس الاعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن اولئك رفيقاً.