المولد والنشأة
ولد الشيخ الشهيد رعـــد رحمه الله عــام 1972في بــغـــداد في حي العامل وفيها أكمل دراسته الابتدائية والثانــويـة. ويكنى بـ ( ابي بلال) تأسياً بسيدنا بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان التزامه بدين الله لافتاً للنظر منذ نعومة اظفاره، فقد كان يدخل اول مسجد يأتي في طريقه وهو عائد من المدرسة الى البيت ليؤدي فيه صلاة الظهر جماعة مع المصلين، ويروي عنه احد زملائه الذي صاحبه ورافقه موقفاً في يوم شتاء بارد انه ذهب الى المسجد بصعوبة بالغة لان الجو كان ممطراً، والارض قد غطتها المياه الكثيرة، وهو يمشي بثبات لا يبالي ببرودة الطقس ومطره، لأن ثواب الله والدار الاخرة كان همه وشغله الشاغل.
وقد زرع فيه حب المسجد منذ الايام الاولى في حياته وهذا ما جعله يتنقل فيما بعد في عدة مساجد يبلغ فيه رسالة الاسلام والدعوة الى الخير وحب الدين.
اخذ العلم الشرعي منذ كان طالباً في الاعدادية، حيث درس على المشايخ الكرام من امثال الشيخ الدكتور عبد الملك السعدي والشيخ الدكتور عمر مولود الديبكي والشيخ خليل جدوع الذي استشهد على يد غوغاء الفتنة الطائفية، والشيخ قاسم الحنفي.
حفظ القران الكريم باتقان، ووهبه الله صوتاً جميلا في القراءة فاصبح بحق مزمارا من مزامير داود، كما كان له حب وشغف لأدب اللغة العربية، وكان ينظم الشعر الاسلامي في احيان كثيرة.
المسيرة العلمية
بعد اكمال درسته الاعدادية، دخل الشيخ رعد كلية العلوم الاسلامية في جامعة بغداد ليتخرج منها بتفوق، وكان في تلك المرحلة كثير المطالعة لامهات الكتب وفنون العلم، لا يمشي الا وفي يده كتاب يقلب صفحاته ويقرأ ما بين السطور، وهو في غمرة طلبه للعلم كان يعمل حمالاً في سوق السنك، يأكل من عرق جبينه مترفعاً عن السؤال والمتاجرة بدين الله سبحانه، متأسياً بقوله صلى الله عليه وسلم :” اليد العليا خير من اليد السفلى”. ( رواه البخاري).
كان مغتنماً لوقته الى حد كبير، محاولاً التوفيق بين قوت يومه ومواظبته على القراءة والحفظ لكتاب الله تبارك وتعالى، وكتب المتون في العلوم الشرعية.
كان رحمه الله يدفع عربة البضائع ويضع امامه احد الكتب ويهز راسه مع العربة حيث كان منغمساً في حفظ الدرس لانه يلتحق بحلقات العلم الشرعي كل يوم بعد صلاة الظهر.
وفي العام 2006 جاء قبوله في الدراسات العليا ليكملها بنجاح باهر ويحصل على شهادة الدراسات العليا في علوم الشريعة الاسلامية.
في بيوت الله
مارس الشيخ رعد الخطابة والوعظ في سن مبكرة، حيث كان عمره تسعة عشر عاماً، فقد كان يجوب القرى والارياف، يعظ الناس ويخطب فيهم ويعلمهم ضرورات العبادة من وضوء وصلاة وصوم، وكان اول صعود له على المنبر في مسجد البستاني في بغداد، فاستصغره الناس وتوقعوا منه خطبة فاشلة، بيد ان الخطبة كشفت لهم خطيباً مفوهاً وداعياً لبقاً ابهرت خطبته جمهور المصلين.
وحين كلف بالخدمة العسكرية انتسب اماماً وخطيباً في محافظة ميسان، ثم انتقل بعد ذلك الى مسجد عثمان بن عفان رضي الله عنه في اليوسفية، يلقي فيه المحاضرات والدروس الفقهية بعد الصلوات، وقد كان شديد الحرص على اقامة دورات لحفظ القران الكريم حيثما حل وارتحل.
بعد الاحتلال
تفرغ الشيخ عقب احتلال العراق للخطابة وتحشيد الناس في الحفاظ على الهوية الاسلامية للبلد حيث ارتفعت الرايات، وكل يريد لمنهجه النصرة والتأييد، فقد شهد تجمعاً لجمهور اهل الخير والصلاح من المسلمين في منطقة حي الجهاد والقى فيهم كلمة بليغة في الثبات والصبر والمصابرة، والحفاظ على مساجدهم وفتحها في اوقات الصلاة كي لا يخبو صوت الحق في بلاد احمد بن حنبل والخطيب البغدادي وابي حنيفة النعمان وابن الجوزي والصواف.
وكان مسجده، مسجد الفرقان في السيدية قد اغتصبه الطائفيون وهددوا بقتله متهمين اياه زوراً انه من منتسبي الاجهزة الامنية للنظام السابق، وهذه اشهر التهم التي كانت من وراء تصفية العلماء وطلاب العلم واهل الفضل والخير والصلاح، وهم منها براء.
حينما تجلس مع رعد الدليمي، لا تصدق انه نفسه ذلك الرعد على المنبر، او في صدارة مجالس المحاضرات والدروس العلمية، فهذا الرجل الذي ينافس في حيائه حياء العذارى، ويتحول بالفعل الى رعد يوقد الهمة والحماس، ويوقظ النفوس الضائعة، والمثقلة بالهموم، بوقود آسر، ونفس تنفتح لها القلوب بالمحبة والقبول، فغرس فيها ذكريات اقل ما يمكن ان يقال عنها انها خالدة لا تزول.
طريق المحن
وهذا هو شأن الدعاة الى الله حينما يتصدون للمسؤولية وحمل الامانة، فلا بد للمتاعب ان تمس اجسادهم، وتحرمهم من هدوء الغافلين، نعم.. انه طريق دعوة الحركة الاسلامية التي اخذت من الشيخ كل وقته وتفكيره وجعلته يواصل الليل بالنهار ليدافع عن سمو غايتها وسلامة مقصدها وارجاع امجاد الامة الاسلامية.
الثبات في الازمات
حين اشتدت الطائفية التي قاد كبرها الاحتلال واذنابه من بعض الاحزاب التي قدمت معه تريد السوء والدمار للاسلام واهله، في تلك الاثناء كان الشيخ ثابتاً في مسجده ( مسجد الفرقان) في السيدية، لكن المليشيات التي لم تسلم من هجومها الطائفي الشعوبي المساجد والتي تمكنت وسط ضياع الامن وسيادة الفوضى من اغتصاب المسجد.
بقي الشيخ بعيداً عن بيته ومكتبته، لكن المدهش انه يستحضر المعلومة بمصدرها وكأنه يقرأ في كتاب مفتوح وشهد له بذلك كل من رآه في مجالس العلم والوعظ.
نبض القلم
تمتع الشيخ ابو بلال بمهارة البحث والكتابة العلمية الرصينة، فكتب في سن مبكرة من حياته كتابه الموسوم ( حواجز وعوائق في طريق الدعوة الاسلامية)، وهو لا يزال مخطوطاً لم يطبع، وبعد وقوع الاحتلال لم يغب عن بال الشيخ رعد ان يسطر بقلمه كلمة الحق تنفيذاً للواجب الشرعي، وشهادةً للتأريخ، فشارك في كتابة الموسوعة الوثائقية الموسومة ( مساجد في وجه النار).
صدقة جارية
كان رحمه الله حريصاً على كسب الحسنات حتى بعد الرحيل، فقام بوقف مكتبته الشرعية التي اشتراها من كده وتعبه في سوق الحمالين، واعتكف بين بفوفها طويلاً ينهل من نبعها الصافي الزلال الى احدى المؤسسات الاسلامية، لم يرد لها ان تبقى حبيسة الجدران يعلوها التراب بل ان ياخذ فائدتها طلبة العلم والدعاة وهم يدعون له بالرحمة والمغفرة، وليس هذا فحسب بل حتى الاشرطة والاقراص المدمجة التي فيها تسجيلات متنوعة للقران الكريم، والخطب والمواعظ، والاناشيد الاسلامية ليستفيد منها جيل الصحوة الاسلامية في العراق، لتبقىله باذن الله صدقة جارية او علم ينتفع به.
الى الرفيق الاعلى
في صباح يوم الثلاثاء 9/5/2006 م كان له موعد مع القدر، حيث كان موجوداً قرب تقاطع الدرويش في حي الاعلام حين هاجمه الطائفيون واطلقوا عليه وابلاً من الرصاص فارق الحياة على اثرها، برغم وجود مفرزة للشرطة على مقربة من الحادث، لكنها لم تفعل شيئاً ان لم تكن هي من نفذت فيه، بل تركته ينزف حتى غادر هذه الدنيا شهيداً رحمه الله.
رحمك الله يا شهيدنا بواسع رحماته واسكنك فسيح جناته في الفردوس الاعلى… آمين اللهم آمين.