محمد فتحي النادي
تهتم المنظمات الدولية والإقليمية بقضية أطفال الشوارع، الذين لا يجدون العائل أو المأوى، ويتخذون التسول مهنة لهم، وهذا الاهتمام بتلك القضية أمر حسن يجب أن نزيد من اهتمامنا به.
ولكن على الجانب الآخر توجد قضية لا تقل أهمية عما سبق، ولكنها لا تنال حظها من الاهتمام، ألا وهي قضية كبار السن المشردين في الشوارع.
هؤلاء الذين يملئون الشوارع ويتخذونها والأرصفة بيوتًا لهم فيفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يلبسون البالي من الثياب، التي تكشف أكثر مما تستر، فلا تحميهم في الشتاء من عاصف الريح وقاصف الرعد وقارس البرد الذي يتسلل إلى العظام فينهشها نهشًا، ولا تحميهم في الصيف من القيظ؛ حيث تحرقهم الشمس بأشعتها كأنها نيران تشوي أجسادهم.
تجد أجسادهم قد ضوت وهزلت مما تكالب عليها من الأمراض …تجدهم يتكففون الناس فيعطيهم هذا، ويمنعهم ذاك… يتلطف معهم هذا، ويتجهم عليهم ذاك. تقرأ على وجوههم قسوة الحياة، قلما تراهم باسمين، وكيف يبسمون وقد جفاهم المجتمع وتأففَ منهم؟!
إن هؤلاء فقدوا الأهل والأحباب، وخسروا الأموال والأطيان، وفي لحظة وجدوا أنفسهم بلا مأوى، تتقلب بهم الأحوال من سيئ لأسوأ… تغلق دونهم الأبواب فلا يجدون عناية أو اهتمامًا أو رعاية من أحد !!
إن مشكلة هؤلاء ضخمة جدًّا، فإذا كان أطفال الشوارع في مقتبل الحياة وميعة الصبا، ويستطيعون أن يسعوا طلبًا لما يسد رمقهم ويدفع عِوَزهم ويقيم أودهم، فإن كبار السن هؤلاء لا يستطيعون سد احتياجاتهم؛ لأن أعمارهم في تولٍ وإدبار، وصحتهم في تراجع وانهيار.
والمسلمون الأوائل وصلت عنايتهم بالشيوخ والعجزة والمسنين أن اهتموا بأهل الكتاب الذين طعنوا في السن، وأكل الدهر قواهم، فأصبحوا لا حول لهم ولا قوة، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو في الشام يمر على قوم من النصارى مجذومين قد لفظهم المجتمع، وقلاهم القاصي والداني، فأمر أن يعطوا من الصدقات، وأن يُجرى عليهم القوت.
ولم يكن هذا الحدث حدثًا عابرًا يعبر عن عاطفة اتقدت لحدثٍ ما ثم لا تلبث أن تنطفئ جذوتها في قلب الفاروق، ولكنه كان قاعدة ثابتة لديه، واضحة عنده كل الوضوح.
وهذا الاهتمام بالعجزة كان منهجًا متبعًا عند الخلفاء المسلمين، أي من أعلى قمة الهرم في السلطة لدى المسلمين، فهذا خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – جعل كفالة الطاعنين في السن من الذميين قانونًا مفروضًا على ولاته .
ولعلاج هذه المشكلة هناك خطوات اجرائية:
ايجاد دور الرعاية الاجتماعية والصحية لهؤلاء المسنين سواء أكانت حكومية أم أهلية. وإقدام أهل الجود والسماحة على كفالة بعض المسنين وإجراء الأموال عليهم. وإيجاد بعض المهن التي تعينهم على التكسب بما يتلائم مع أعمارهم وأحوالهم. والبحث عن أهالي هؤلاء المسنين إن كان لهم- وحثهم على عدم ترك ذويهم عرضة للضياع. ونشر ثقافة التكافل في المجتمعات باستخدام الوسائل المناسبة. وتسليط الضوء على هذه المشكلة من خلال وسائل الإعلام للفت الانتباه لها.
وأخيرًا نذكر أن النبي محمدًا – صلى الله عليه وآله وسلم – قد استعاذ من العجز والهرم فقال: ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ “.
المصدر: اسلام اونلاين