المولد والنشأة
ولد الحاج حسين رحمه الله عام 1953 م في قضاء تلعفر احدى اقضية مدينة الموصل الحدباء، ينحدر نسبه من البوعساف من قبيلة الدليم، هاجر اجداده الى منطقة تلعفر في مطلع القرن الثامن عشر ويعرفون هناك بـ ( آل عكريش)، يمتهنون الزراعة والاعمال الحرة، ولهم مساهمات طيبة في اغاثة الناس وخدمة المحتاجين.
درس الابتدائية في مدرسة تلعفر الاولى، والتحق بمتوسطة الجزية، وفي المرحلة الثالثة تم تجنيده في الخدمة العسكرية وهي ذات السنة التي فقد فيها والده، اذ توفي بمكة المكرمة وهو يؤدي مناسك الحج.
نشأ الفتى الشهيد على حب الاسلام والتمسك بتعاليمه لا سيما قول الصدق في جميع الاحوال، يتحدث عنه احد اشقائه قائلاً: ( عندما كنا صغارا نذهب الى السينما ونتأخر هناك فلما عدنا الى البيت يسألنا اهلنا اين كنتم؟ نقول لهم كنا في بيت فلان، اما هو – اي الحاج حسين – فيقول كنا في السينما).
طريق الدعوة
نشأ الحاج حسين رحمه الله في جو اسلامي وفي بيت تقام فيه صلاة الجماعة لخمس اوقات في اليوم والليلة وكان ذلك قبل بناء المسجد، وفي عقد الستينات انتظم في صفوف الحركة الاسلامية وعمل على ترويج مبادئها بين اهله وعموم احبته، وقد تأثر كثيراً بدعاة الموصل امثال الدكتور الشهيد عمر محمود عبد الله والدكتور ادريس الحاج داود، ونشط في بناء المساجد في عموم مناطق تلعفر، استمر في العمل الدعوي من خلال المساجد، وكان يستقبل الشيوخ والدعاة في المناسبات الاسلامية، كما حرص على الجلوس مع شباب المسجد بعد صلاة الفجر يحثهم عن فضل الدعوة والالتزام بمنهج الاسلام ويسمع اراءهم ومشاكلهم ويعمل على حلها ما توفر الى ذلك سبيلاً.
المسجد منطلق الدعوة
كان مسجد الفتح الذي بناه الحاج حسين والذي عرف فيما بعد بمسجد آل عكريش، منطلقاً لكل اعمال الخير والدعوة في عموم مناطق تلعفر، ففي عام 1986 ايام الحرب العراقية الايرانية صدر قانون يقضي بخدمة الاساتذة وطلبة الجامعات 45 يوماً خدمة عسكرية وعلى وجبات كي لا تفرغ الجامعات، وتوافد الاساتذة والطلبة الى المعسكر ويأتون الى تلعفر ليلة الجمعة ونهارها وخاصة ممن كانوا وافدين من مناطق بعيدة في الشمال او الجنوب، علما انهم لا يستطيعون الذهاب الى اهاليهم والالتحاق بالمعسكر فجر السبت لان المدة قليلة، فقام الحاج حسين بفتح المسجد واستضافة ما يقارب 100 شخص وتعهدهم بالطعام والشراب وتوفير مكان لغسل الثياب ويقوم بتفقدهم واحداً واحداً ، حتى ان البعض منهم التزم الصلاة وبقي على تواصل مع الحاج ابي طارق حتى بعد انتهاء الدورة العسكرية.
مع الناس
بعد احداث عام 2003، وتشكل المجالس المحلية لادارة شؤون العباد، رشح الحاج حسين لتولي مهام رئيس مجلس قضاء تلعفر وذلك باغلبية المقترحين من شيوخ ووجهاء واكاديميين في القضاء، عندها لبى نداء المسؤولية واول الخطوات هو ان خصص مسجداً لاداء الصلاة داخل البناية، وعرف عنه دعوته لجميع العاملين لاداء الفريضة، ثم تتابع نشاطه بين المجتمع، حيث عمل على توفير الاثاث المناسب لكثير من المدارس في القضاء وكذا سعيه الحثيث لترميم محطة الكهرباء وتخصيص رواتب شهرية لذوي الشهداء والايتام، فضلاً عن مشاركته في الكثير من المشاريع الدعوية والخيرية في عموم المدينة.
حديث الشباب
اعتاد الحاج حسين رحمه الله ان يجلس مع الشباب الملتزم جلسة بعد الفجر كل يوم جمعة، وخصص لهم سجلاً يكتب لهم فيه بعض الوصايا، فكان اول ما كتبه ان على كل واحد منهم ملازمة بر الوالدين، وتقبيل ايديهما، وخدمتهما على احسن وجه، مع الالتزام بتعاليم القران والسنة والسير على نهج الصحابة الكرام والعلماء العاملين، وان يكونوا الدعاة بالحق الى منهج الله سبحانه في كل زمان ومكان.
قبل الرحيل
لما ساءت اوضاع مدينة تلعفر، كان هو يشغل منصب نائباً لرئيس مجلس شورى اهل السنة اضافة لكونه رئيساً لمجلس قضاء تلعفر، وقد بدأت الطائفية المقيتة تضرب اطنابها في المدينة، فكان رحمه الله يتحرك في كل الجوانب لتجنيب الناس الفتنة وسفك الدم الحرام، ولكن يأبى اهل الضلال والبدع الا ان يخونوا العهود والمواثيق مع اهل التوحيد، وفي تلك الظروف كان يقول لاحد اصحابه: سئمت هذه الدنيا واريد الاخرة . لما كان يجد من تدهور الاحوال وغلبة الهوى واستيلاء الفاسدين علىزمام الامور، ولم تمض فترة طويلة حتى جاءه الاجل المحتوم ملتحقاً بمن سبقوه في ركب الخالدين.
قصة الاستشهاد
صباح الاثنين الموافق 21/12/2009 توجه الحاج حسين الى احدى مجالس العزاء في المدينة، وكان هذا دأبه في التواصل مع الناس سواءً في الافراح او الاحزان متأسياً بقول النبي صلى الله عليه وسلم:” الله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه”، واثناء خروجه من ذلك المجلس، كان على موعد مع الرحيل، اذ فجر شخص نفسه على مقربة منه اصيب على اثر ذلك بجروح بليغة واثناء نقله الى النستشفى فارق الحياة الدنيا.
تغمد الله شهيدنا بواسع رحمته، واسكنه فسيح جناته.