دين الإسلام أعظم الأديان، فهو دين متكامل في جميع جوانبه، شامل يشمل جميع مناحي الحياة. وأسوأ ما يمكن أن يشوه هذا الدين هو سوء فهم أتباعه؛ فيفهمون الإسلام فهما مشوها، ثم يقدمون للعالم دينا مغلوطا.
ولقد كان من أول ما أساء لهذا الدين خروج طائفة أرجؤوا العمل عن الإيمان، وقالوا: ” لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة”.. فما زال بهم فهمهم حتى تركوا العمل وزهدوا الناس فيه، وانسحب قولهم على أعمال الدنيا فضربهم التواكل والقعود عن العمل.
فكان من عواقب هذا الفكر العقيم أن نامت الأمة عن العمل حتى سبقتها كل الأمم وتفوقوا عليها، وبتنا نعيش عالة على أعدائنا في طعامنا ولباسنا ودوائنا وسلاحنا، وهي عبودية ورق وتبعية فتحت للأعداء أبواب بلاد الإسلام على مصاريعها ليتحكموا فيها كما يشاءون وتصرفوا فيها بما يريدون.
كما أن من عواقب هذا الفهم الخاطئ القعود عن الضرب في الأرض، ووجود ما يسمى بظاهرة البطالة، والتي تعود على أصحابها وعلى الأمة بالضرر الكبير والشر المستطير؛ لما لها من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي لا يمكن إهمالها، فالبطالة تشكل السبب الرئيسي لمعظم الأمراض والمشكلات الاجتماعية: كالتطرف، والإرهاب، والمخدرات، والجريمة بأنواعها…الخ..
كما أنها تمثل تهديداً واضحاً على الاستقرار السياسي والترابط الاجتماعي.. علاوة على ما يصيب العاطل من إحباط، وعدم الثقة بالنفس، والاكتئاب، والقلق، والشعور بالفشل. كما أن الفراغ القاتل، الذي يحدث عند الفرد، غالبا ما يوجه تفكيره إلى المحرمات والجرائم؛ مما ينتهي به نهايات مؤلمة، ويضر بالمجتمع بأضرار مختلفة.
ونظرا لما قدمناه من أثار البطالة المدمرة للفرد والمجتمع، وقف الإسلام منها موقفاً شديدا، وحاربها محاربة هائلةً، فقد بث في روع أتباعه النفور منها، والبغض لها، وبين أثارها على صاحبها في الدنيا والآخرة:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: [ لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي الجبل، فيجيء بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه ](رواه البخاري)
وروى الإمام أحمد والنسائي: [ أنه جاءه رجلان يسألانه الصدقة، فرفع فيهما البصر وخفضه، فوجدهما جلدين قويين فقال: إن شئتما أعطيتكما، ولا حظّ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب].
كما أنه توعد سائل الناس عن غير حاجة، أي محترفي التسول، فقال: [ لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم].
وقد روى الطبراني وغيره عن كعب بن عجرة قال: [ مرَّ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فرأَى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من جلَدِه ونشاطِه فقالوا: يا رسولَ اللهِ! لو كان هذا في سبيلِ اللهِ؟!! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إن كان خرج يسعَى على ولدِه صِغارًا فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان خرج يسعَى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان خرج يسعَى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان خرج يسعَى رياءً ومُفاخَرةً فهو في سبيلِ الشَّيطانِ] (صحيح الجامع).
وكان عمر من أشد الناس دعوة للعمل، وحبا للعاملين، وكراهية وبغضا للكسالى الخاملين، وهو الذي ينسب إليه القول المشهور: “لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة”. وكان إذا أعجبه إنسان سأل: هل له من عمل؟ فإن قيل لا. سقط من عينه.
وكان يأمر الناس بتعلم الحرف والمهن، ويقول: “يوشك أحدكم أن يحتاج إلى مهنة وإن كان من الأغنياء. ومن جميل كلامه: إن الله خلق هذه الأيدي لتعمل، فإن لم تجد في الطاعة عملا، وجدت في المعصية أعمالا”.
وقال ابن مسعود: ” إني لأكره أن أحد الرجل فارغاً لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته”.
وقال لقمان لابنه: يا بني استغن بالكسب الحلال عن الفقر، فإنه ما افتقر أحد قط إلا ابتلي برقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب في مروءته.
وكان سعيد بن المسيب يتاجر في الزيت ويقول: والله ما للرغبة في الدنيا، ولكن أصون نفسي، وأصل رحمي.
كـان رســول الله فـي شبـابــه .. .. لا يدع الرزق وطرق بابه
أي رســول أو نــبي قـــبلـــه .. .. لم يطلب الرزق ويبغ سبله
موسى الكليم استؤجر استئجارا..وكان عيسى في الصبا نجارا
من أحسن الأمثال فيما أحسب .. الخير لا يعطى ولكن يكسب
والرزق لا يحرمه عبد قد سعى .. مضـيقا علـيه أو موســـعـا.
إن الله خلق هذه الأبدان لتعمل وتنطلق وتعمر الأرض فإذا تحركت تحركت معها عجلة الحياة، وازدهرت التجارة ،وانتعش الاقتصاد، واتسعت المعايش، وسعد الناس. وإن هي خملت وكسلت وقعدت بلا عمل، أكلها النوم والكسل، وصارت كلا على العباد والبلاد.
فينبغي على الشباب أن يعمل ليغني نفسه ويطعمها، ويطعم أهله ومن يعول، وليس ثم عمل مرذول، طالما كان حلالا، وإنما هي الهمم، بل أعظم ما يأكل الإنسان وأشرفه ما كان من عمل يده؛ كما روى البخاري عن المقدام بن معدي كرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يد، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده]. فلا عذر بعد ذلك لقاعد، أو سائل.
المصدر: إسلام ويب