المولد والنشأة
ولد الشهيد جواد ابو ياسر عام 1966 في بغداد الكرخ، في قرية تدعى منطقة الاتصالات السلكية، ثم انتقل سنة 1971 هو واسرته واعمامه وجده الى منطقة حديثة الانشاء سميت بالعامرية، فكان لهم ثقل واضح في هذه المنطقة حيث كانوا يعرفون بآل محل، ولم يكن في المنطقة كلها سوى جامعين: المصطفى ( 7 نيسان سابقا) ومسجد ابراهيم الراوي ( العباس حاليا)، فكان لابناء هذه العائلة المتشعبة حضور واضح في مساجد المنطقة.
هكذا ولد شهيدنا لاسرة فقيرة متدينة محبة للمساجد انبتت فيه حب الاسلام والعمل له والتعلق في بيوت الله، فكان المناخ في البيت هو الذي دفعه مبكرا للانضمام الى الحركة الاسلامية والى حلقات تحفيظ القران في جامع المصطفى صلى الله عليه وسلم، حافظا ومتعلما، ثم معلما في جامع ابراهيم الراوي – العباس حاليا – وملوكي والاخوة الصالحين وكان له دور بارز في انجاح اول دورة قرانية في جامع البنية على يد الشيخ محمود غريب.
أكمل شهيدنا دراسته الإعدادية الفرع العلمي عام 1984م وقُبل في كلية الإدارة والاقتصاد/ قسم الإحصاء في الجامعة المستنصرية، ولأسباب خاصة ترك الدراسة في المرحلة الثالثة. لكن ذلك لم يفت من عضده في اكمال مشوار حياته وان يكون نافعا لاسرته ولاخوته والاخرين.
الابداع والابتكار في المشاريع
عرف الشهيد ابو ياسر بابداعه في تاسيس وتنفيذ المشاريع، فلم يكن يعدم حيلة في تحصيل ما كتب له من رزق، فزاول مختلف الحرف من عامل بناء الى حداد تسليح الى نجار بناء الى نجار اثاث الى تاسيسات صحية الى تاسيسات كهربائية وغيرها،،، ثم اقبل بشغف على التجارة ونجح فيها.
كان ينتقل بين المشاريع تبعا لفراسته التي لا تخطئ المستقبل، فحين ازدهرت اعمال البناء في نهاية الثمانينات مارس الاعمال المذكورة اعلاه وسعى لتكوين فريق عمل متكامل، ثم انتقل الى تجارة السيارات، وبعدها الى تجارة المواد الكهربائية، واثناء حرب الخليج الاولى انتقل بسرعة الى تجارة الدراجات الهوائية وصيانتها نتيجة انعدام وقود السيارات واقبال الناس على شراء الدراجات.
التاجر الصدوق
تخصص في تجارة المواد الكهربائية، وعرف بها بين الناس، وبالرغم من امكانياته المادية المحدودة لديه، لكنه كان واسع النشاط ومعروفا لدى جميع التجار وحرفي هذه الصنعة، وهذا من فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، واصبحت محلات الاخوة لابي ياسر في العامرية، وفي الشورجة اشبه ما يكون بمعهد لتاهيل الشباب في تعليمهم اصول الصنعة والاستفادة من كل الطاقات وتوجيهها الوجهة الصحيحة في العمل، وصقل المواهب وتنمية المهارات على افضل ما يكون، زيادة على ما يتلقونه من شخصيته الدعوية السمحة الهينة اللينة.
وكان له مساهمات كثيرة في اعمار المساجد من خلال حملات العمل التي قادها، وحرصه على تزويد بيوت الله بارقى الادوات الكهربائية وغيرها، ومتابعة صيانة شبكاتها الكهربائية والصوتيات وكل ذلك مجانا لوجه الله.
في طريق الدعوة
انضم ابو ياسر الى دعوة الحق في سنة مبكرة، وكان ضمن اشبال الدعوة منذ سنة 1980 م، وكان يلقب بالداعية الصغير، وسبب هذا اللقب انه تلقى توجيها ممن يتولى تربيته في خط الدعوة انذاك بضرورة دعوة الاخرين الى الله، فتفاعل مع هذا التوجيه، وفي اللقاء الثاني جاء فرحا الى استاذه يبشره انه استطاع اقناع 30 من اقرانه للانضمام للدعوة، فما كان من استاذه الا ات يطلق عليه لقب اصغر داعية.كان صاحب عزيمة وهمة عالية ونشاطات دعوية متعددة.
ونتيجة لنشاطه المتميز في الحركة الاسلامية وجهوده الظاهرة بين جمهور المساجد، تم اعتقاله عام 1994م بتهمة التستر على من كان ينوي قلب النظام بما يسمى بقضية محمد مظلوم، وغيب في ظلمات السجن مدة ستة اشهر دون ان يعرف عنه خبر، ثم حكم عليه بالسجن المؤبد.
رجل بمائة
عام ونصف جمع بين اسد الدعوة شهيدنا اياد العزي، والشهيد ابو ياسر في مجال الدعوة بعد 2004 م كانت كافية لتجعل العزي يحكم بان الاخ ابا ياسر رجل بمائة، وكان يتمنى لو كان يملك الف رجل مثل ابي ياسر يفتح بها الفتوح في مجال الدعوة الى الله.
وقد امتزجت نفسية الشهيدين حتى كانا يتمنيان ان لا يفترقا، ولما التحق اسد الدعوة بالرفيق الاعلى شهيدا لم يطل الامد بعيد حتى التحق به الاخ ابو ياسر، فما هو الا عام واحد حتى زف جواد شهيداً.
دفاع عن بيوت الله
بعد احداث سامراء وما خلفته من هجمة شرسة على حرمة المساجد والمصلين، كان ابو ياسر يتقدم الصفوف ويجهز الشباب بما يمكنهم من الحفاظ على بيوت الله والدفاع عنها امام هجمات المعتدين، حتى انه كانت تمر عليه ايام كثيرة لا يرى فيها اطفاله، ولا يعود الى بيته.
حدثني احد تلامذته قائلا: ( انك حين تنظر الى ابي ياسر فانك ترى رجلا من عصور الاخلاص والتفاني في سبيل الله، فحين حصلت ازمة سامراء كان ابو ياسر يواصل الليلة والليلتين بلا نوم، فاذا وصل حد الارهاق التام يستأذننا ساعة – وهذا من ادبه العالي – ليستريح، ففي ذات يوم رايته نائما في باحة جامع ملوكي على الارض وما ان ارتفع اذان صلاة العصر حتى رايته مستيقظا ينادي من حوله ” هيا يا شباب لا راحة الا في العبادة”).
تتلخص قصة استشهاده بانه في الساعة الثامنة صباحا من يوم الاربعاء 5/12/2007 طرق عليه الباب اثنان من المسلحين الملثمين، وحين فتح لهم الباب رشقاه بوابل الرصاص فاصابته منها ثلاث طلقات استقرت احداها في قلبه الطاهر وفارق الحياة على اثرها شهيداً.
افاق اهالي العامرية في صباحهم على صدمة اغتيال ابنها جواد.. هاج الناس وماجوا مستنكرين استهداف مثل هذه الشخصية المباركة، وتجمعت الحشود المشيعة ولساعات طويلة في مسجد ملوكي لتوديعه الى مثواه الاخير… وسار المشيعون الذين ملؤوا شارع المضيف كله في مسيرة مهيبة واكملوا المشوار في شارع العمل الشعبي.. كان هذا المشهد لم تشهده المنطقة من قبل ابداً.
اللهم اجمعنا به في مستقر رحمتك.. اللهم لا تحرمنا اجره ولا تضلنا بعده واغفر لنا وله.