أبو عبد الرحمن، عاش حياته داعيةً مثابراً وصوتا ندياً في محاريب السجود، تصاعد نشاطه بشكل ملحوظ في اخر ايامه، وحين حلّت ساعة الاجل ختمت تلك الرحلة الشاقة في يوم مبارك حيث رحل عن الدنيا وقد قال كلمته الاخيرة من النصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولائمة المسلمين وعامتهم في خطبة الجمعة.
المولد والنشأة:
ولد عام 1967 في مدينة الرمادي غرب العراق، وسط اسرة اسلامية لها بصمة واضحة في حقل الدعوة الى الله في عموم الانبار، ولا زال هذا دابها في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قدمت في سبيل الله عددا من الشهداء في عهد التصدي والصمود بوجه الطواغيت.
دخل الابتدائية في مدرسة المقداد ثم دخل الدراسة المتوسطة في مدرسة المغيرة بن شعبة، والتحق بعد ذلك في اعدادية الرمادي للبنين طالبا متفوقا في الفرع العلمي، ومع العام 1990 حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الزراعية في جامعة بغداد.
نشأ ابو بكر على طاعة الله بتشجيع من والده، حيث حرص على اصطحابه الى مسجد الاندلس، وفي احيان اخرى تكون الصلاة في مسجد الرمادي الكبير الذي يبعد عن المنزل كثيرا.
كبُر الفتى الشهيد، واصبح في مقدمات الرجولة، وفي تلك الاثناء اكتمل تمام البنيان في جامع حي المعلمين الذي واظب على الحضور فيه بصورة دائمة وغالبا ما يتقدم اماما بالمصلين.
طريق الدعوة
تاثر ابو يكر بالحركة الاسلامية وهو لا يزال طالباً في المرحلة الاعدادية، وكان للاستاذ يوسف البكري رحمه الله دور كبير في تنمية مهاراته الدعوية والخطابية فيما بعد، حيث كان اول مسؤول تربوي له في هذه الحركة المباركة.
وبالرغم من سطوة الظلم الواحد وتضييقه على منافذ العمل الاسلامي الا انه دائم النشاط، وقد استطاع ان يشكل عددا من الحلقات التربوية ويتواصل معها بشكل ايجابي وبهمة عالية.
تزايد نشاطه في اكثر من صعيد.. فكانت البداية مع دورات القران الكريم لا سيما وانه اتم حفظه ايام الخدمة العسكرية، ثم عمل بعدها على عمل حلقات لعلوم الفقه والعقيدة، وكان قد قطع شوطا مباركا في دراسة علوم الشريعة عند العلامة الشيخ عبد الملك السعدي، وقد سعى حثيثا الى ترسيخ احكام الحلال والحرام في المجتمعات العشائرية في المنطقة الغربية.
حديث المسجد
أدرك الشيخ ابو بكر اهمية دور المسجد، كونه الملاذ الآمن لكل مسلم، وانطلاقا من هذا الفهم تكاثرت دروسه في مسجد عبد الله بن ام مكتوم ، وكانت من تفسير القران للنساء والرجال، وذهابه الى مسجد الصديقة عائشة اماماً وخطيباً بشكل دائم فضلاً عن اعطاء الدروس العامة والأمسيات الرمضانية من كل عام.
لم يقتصر اهتمام الشيخ داخل المسجد على اداء العبادة بالشكل التقليدي المعهود، بل جعله منطلقاً لكل ما يمكن ان تنشر من خلاله دعوة الاسلام وفضائله، حيث حرص على الدور الاجتماعي كثيرا ويجالس المصلين ويزورهم في منازلهم ويفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، مما ترك اطيب الاثر في النفوس، ترك انطباعا رائعا لصورة الداعية بين عامة المسلمين.
الدورات الشرعية
لمّا أُسّس مجلس علماء العراق، وبدء القائمون عليه بفتح فروع له بعموم محافظات العراق، كان هو يرحمه الله قد اخذ على عاتقه المساهمة الفاعلة في ترويج وعمل نشاطات المجلس بما يخص محافظة الانبار بشكل عام فضلا عن نشاطه المتوزع في عدد من احياء العاصمة بغداد.
ومن جملة دوره في انشاء حلقات العلم الشرعي كالفقه ومصطلح الحديث والاصول والمواريث وغيرها، مع التركيز على بناء شخصية طالب العلم بشكل متقن وذلك لجملة امور مهمة، وهي: ان يكون ناقل العلم الى الناس على دراية خاصة بمكنونات النصوص الشرعية وطرق الاستدلال على الاحكام حتى لا يقع محذور شرعي اثناء تعليمه للاخرين من خلال التدريس او منبر الجمعة.
وثانيهما ان الضعف الحاصل في صفوف طلبة العلم انما هو ناتج عن فتح باب العلوم الشرعية لكثير من اصحاب المعدلات الضعيفة وممن لم يوفقوا في الدراسات الاكاديمية ، فلجأوا الى الخيار الاسهل، وهي ارتياد المدارس الدينية كهروب من الفشل في الحياة العلمية، وكذلك تحصيل موقع وظيفي روتيني بدائرة الاوقاف كي يكون سبيلا للعيش.
فاراد الشيخ من خلال هذه المبادرة الطيبة التي قام بها عدد اخر من الدعاة والعلماء هو تعزيز مكانة العلم الشرعي واعادة هيبته كسائر العلوم الاخرى العلمية والانسانية على حد سواء.
حديث القواريــر
ومما دأب عليه الشهيد يرحمه الله تعالى نشاطه الوعظي لمجتمع النساء، وقد اولى هذا الموضوع اهمية كبرى من خلال تكثيف الدروس والمحاضرات الخاصة بفقه المرأة المسلمة، حيث تركزت تلك المواضيع في قضايا حيوية لها مساس بالواقع، منها: فقه العبادات وما تشتمل عليه جميع جوانب التعبد لله من حيث الطهارة وشعائر الاسلام وما تتطلبه من فرائض واركان لاتمام العمل على هدي الاسلام، ومنه دروس في العقيدة الاسلامية الصحيحة والتحذير من الخرافات والبدع وما ينتشر بين طبقة النساء من الاوهام نتيجة الجهل باحكام الدين او توارث العادات البعيدة عن منظومة التشريع الاسلامي.
وكذلك عناتيه بمتابعة دورات تحفيظ القران الكريم، وتشجيع الاهالي الى دفع بناتهم الى بيوت الله عز وجل لتدراس الكتاب العزيز واتقان تلاوته وحفظه على اتم وجه، ومع العناية الدائمة بتعليم السنن الرتبة عن النبي عليه الصلاة والسلام في الحياة اليومية، كما وسع الباب امام صاحبات النشاط الدعوي بين قريناتهن تشجيعا لهن في المقام الاول على مواصلة الدعوة الى الله، وحفاظا على خصوصية المراة المسلمة لكثير من القضايا التي يصعب طرحها في المحافل العامة.
عطاء.. رغم المحن
تعرض الشيخ ابو بكر الى محنتين خطيرتين كانت الاولى متمثلة بقوات الاحتلال الامريكي، اذ دهم منزله اكثر من مرة، وتعرض للملاحقة من قبلهم مما اضطره للسفر خارج العراق لبضعة اشهر.
اما الثانية فهي المضايقات التي تعرض لها من المخابرات السورية وذلك لقرب منزله من الحدود مع سوريا التي ما فتئت ترسل له التهديدات حينا بعد اخر وكان يتقبلها بنفس مؤمنة غير مبال بالموت.
ورغم خطورة الموقف، كن ينتقل بين بعض المساجد واعظاً وخطيباً، وي اخر ايامه اعطى دروساً منتظمة في جامع الراويين ورابطة المراة المسلمة، واشتملت دروسه جانبا من السيرة النبوية واحكام العبادات.
الموعظة الاخيرة
توجه الشيخ ابو بكر يوم الجمعة 1/8/2008 الى جامع عمر المختار في بغداد تلبية لدعوة حضور حفل الاسراء والمعراج، وبعد ان القى كلمته في الاحتفال الحّ عليه امام المسجد ان يصعد المنبر خطيباً في المصلين.
استجاب الشيخ لتلك الرغبة، وادى الخطبة وكان الدعاء موثرا، ووصف بعضهم خطبة الجمعة ( خطبة مودع ) وبعد انتهاء الصلاة وخروج المصلين جاءت امراة تسال عن بعض الاحكام الشرعية مما جعلت الشيخ ابا بكر وامام المسجد يتاخرون في الخروج من المسجد.
وحين صعد السيارة، وكان الشيخ ابو بكر في المقعد الامامي انفجرت عبوة كانت مثبته تحت المقعد مما ادى الى استشهاده وجرح امام المسجد وسائق السيارة.
رحم الله شيخنا الشهيد والحقه بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً.