سعاد الراوي
هل تصور أحدنا أن أحد أبناءه الرائعين سيقع في براثن الشبكة العنكبوتية؟ علينا أن نعترف بأن مجتمع الإنترنت بدأ يُربي كما يُربي المجتمع الحقيقي بل ربما يفوق دور الأسرة في بعض الأحيان، فبعض أولادنا قد يشعرون أنهم على الهامش في مجتمعهم الحقيقي ثم يجد من يحتويه في عالم الإنترنت فيُقبل عليه بحماس وعواطف جياشة ويقضي معظم وقته في الإبحار عبر محطات تلك الشبكة الواسعة وقد تغرقه تلك البحار إذا لم نتدارك ذلك.
علينا أن نسأل أنفسنا دوماً تُرى هل قمنا بواجب حماية أبناءنا دينياً وفكرياً؟ وهل بذلنا وسعنا في زرع القيم ومتابعة غراسنا في عصر الثورة الفضائية والغزو الذي يجب أن نواجهه بكل همة وعزم وأن نفتح أعيننا جيداً لنرى ما يدور حولنا قبل أن يُخترق أبناؤنا دينياً وخُلقياً وثقافياً وسلوكاً غير متزن يؤثر حتى على علاقاتهم الأسرية.
دراسة أمريكية حديثة كشفت أن إفراط طلاب الجامعات والناشئة يؤثر سلباً على التواصل بين أفراد العائلة، وأجرى فريق البحث من جامعة جورجيا دراسة شملت 27 طالباً سبّب لهم الإنترنت بعض المشاكل الصحية والأسرية.
لذلك يجب أن لا نقف مكتوفي الأيدي فمؤشر الخط بدأ يدق ناقوسه والمتأمّل لواقعنا يدرك ذلك، وقد أجريتُ دراسة تربوية بسيطة من خلال تواجدي في إحدى المدارس مع الطلاب وبعض التربويين والذين هم أولياء أمور أيضاً فرأيت أن نسبة كبيرة من الأسر يتركون لأبناءهم الحبل على الغارب ويثقون بهم ثقة مطلقة وربما أيضاً لجهلهم بهذا الفضاء الواسع وخطورته، فلماذا نغمض أعيننا عنهم ونجعلهم ينزون بعيداً عنا في داخل تلك الشبكة المليئة بالمتاهات ودهاليز الضياع؟
علينا أن نلتفت لهذا الأمر ونوّليه الإهتمام فمن حق أولادنا علينا أن نرعاهم فكرياً وروحياً ونرتقي بهم إلى مزيد من الوعي والإدراك لما يدور حولهم ويحاك لهم، خاصة أن الوصول إلى الإنترنت أصبح سهل جداً من خلال المقاهي وأكثر البيوت باتت لا تستغني عنه.
إشكالية الفراغ في حياة الشباب جعلتهم يتوجهون لملئه من خلال هذه الشبكة وإشغال أوقاتهم بما يجدوه أمامهم من فرص متاحة وهذه الشبكة هي الأكثر حظاً في ذلك، متناسين أهمية الوقت واستغلاله بما ينفع، يقول الحسن البصري ” أدركتُ أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم” ربما نغبط هذا الجيل أحياناً كثيرة على هذا الكم الهائل من العلوم والأفكار والمعارف والتي تتدفق بين أيديهم بعد براكين الثورة الفضائية، لكننا أيضاً نرثي لحالهم حين نرى كثرة من اكتوى منهم بحمم هذه البراكين المتناثرة من الفتن والشهوات.
علينا أن نستغل التربية الإنترنيتية إستغلالاً إيجابياً بدعم الصالح منهم والأخذ بيد الفاسد والتركيز على التربية الذاتية والإيمانية وغرسها في قلوبهم فهي طوق النجاة بعد الله عزوجل، ولكي نوصلهم إلى شاطئ الأمان من خلال ضوابط وأفكار بناءة وأساليب مختلفة تصب في مصلحة الإستغلال الصالح لهذه الشبكة منها إنشاء مواقع تهدف إلى مخاطبة الفئات العمرية بما يوافق ميولهم وأفكارهم، بالتعاون مع مربين وأخصائيين في التربية ومتابعة ذلك، علماً أن الوسط الأنترنيتي وحسب ما وجدته من دراسة بسيطة يفتقد للتربويين المتخصصين في شؤون الناشئة والشباب والمراهقين.
كذلك يجب علينا أن نلفت إنتباه الناشئة إلى الجانب المشرق في هذه الشبكة ونعمل بإخلاص على إبرازه، وتغطية الجانب المظلم ومعالجة ذلك لتتحول هذه الشبكة من نقمة إلى نعمة عظيمة تستحق الشكر، لإنشاء جيل واعد وإنقاذ أفراداً شتى من الإنجراف نحو المجهول.