محمود القيسي
يـُـعتبر من أعمدة الحضارة الإسلامية والجزء الأهم في قوة إقتصادها وإزدهارها، الوقف بكل أنواعه وأشكاله المتعارف عليها كان ولا يزال نزوعاً إلى بناء النظام المؤسسي التنموي الإنتاجي دائم النفع والعطاء، والتأصيل والتأسيس للعملية التنموية الإجتماعية، لدرجة يمكن معها وصفه بمؤسسة التنمية المستدامة في المجالات جميعاً.
وقد كان الوقف ولا يزال مصدر فخر للإمة الإسلامية، فهو صورة جلية لمعاني وقيم الإسلام، فقد عرفت حواضر الإسلام أشكالاً وأنواعاً متعددة للوقف، تراوحت بين أوقاف لطلبة العلم وأخرى للمشافي والمرضى وحتى أوقاف لعلاج الحيوانات أو إستبدال المكسور من الأواني بأخرى خوفاً على الخدم من غضب أسيادهم.
وجد هذا النظام الفريد من الاستثمار صدى لدى الحضارات المجاورة وبالأخص الحضارة الاوربية والغربية وإن بصورة مختلفة، لكن جوهر الفكرة ظل نفسه، وقد تنوعت اشكاله وأساليبه حتى فاقت نظيرها الإسلامي.
فاليوم تجد مؤسسات قامت على مبدأ الإشتراك او المساهمة بمبالغ نقدية حسب الرغبة دون مقابل مادي ملموس، المهم أن يقتنع المساهمون في المؤسسة بأهدافها والأغراض التي قامت من أجلها، جامعات على أعلى المستويات، مؤسسات خيرية وطبية وإعلامية وتعليمية ودور نشر ومتاحف وغيرها الكثير، كما أن كثير من المؤسسات قامت مبدئياً بمشاركة عدد من الاعضاء ثم انفتحت على المجتمع تدعوه للمساهمة في دوام المؤسسة وإستمرار عطاءها، من ذلك وعلى سبيل المثال (متحف الصحافة) الذي فاق عدد المساهمون فيه سنويا ما يزيد على المليون مواطن امريكي مما جعله مؤسسة رائدة ورصينة يحج إليها الزائرون من كل دول العالم، والهدف المعلن لهذه المتحف ان يوثق كل ما يصدر عن المؤسسات الإعلامية وما يـُـنشر من كتب ومطبوعات وافلام وبرامج وثائقية، إضافة إلى معارض تحكي قصة ادوات الاعلام من أبسط اشكالها حتى ما نجده اليوم من اجهزة وبرامج، إضافة للكثير من الفقرات المنوعة الهادفة لترسيخ مبادئ الحريات والترويج للنموذج الغربي الامريكي.
بوصلة اهتمامتنا تغيرت، او ظلت حبيسة تقاليد عفى عليها الزمن، مؤسسة كتلك التي تحدثت عنها اكاد اجزم انها لن تلقى قبولاً لأن المتعارف عليه ان استثمار الاموال لأغراض وقفية تكون في مسجد او سبيل ماء أو دار تأوي الايتام دون برنامج او هدف، لكن ان تتحدث عن متحف هدفه تعليمي وثقافي وتوثيقي فهو ليس شأن العامة، إنما الدولة هي المسؤولة عن قيامه وديمومته، فكل مؤسسة تقوم على الاشتراك الشهري او السنوي تعاني من طلبات المشتركين فيها وكأن ما قدموه يجب ان يعود عليهم بنفع سريع ومضاعف.
ضاعت حسابات مجتمعنا بين مردود مادي سريع او مردود مؤجل حتى يوم القيامة! الأمر يحتاج لتوعية وترويج لثقافة الفرد الكائن في مؤسسة، المساهم في مجتمعه ومن اجل حضارته وثقافته، فكم من المشاريع الناجحة والاحلام اندثرت بسبب ضعف الدعم المادي او انقطاعه او ربما انسحاب المساهمين الواحد تلو الآخر لأنهم لم يلمسوا بأيديهم نقوداً ولم يسمعوا تصفيقاً أو ثناءاً ومديحاً.
المقارنة بين ماضي الوقف وحاضره أو بين شكل المؤسسات في مجتمعاتنا الحالية وبين نظائرها في اوربا وامريكا يجعلنا نشعر بغصة حول ما آلت إليه امور دنيانا وآخرتنا…